لا ريب أنَّ صناعة جزءٍ جديد من مسلسلٍ ناجح وعريق مثل «ليالي الحلمية»، لهو حلم أي مخرج أو كاتب سيناريو. ذلك أنَّ إكمال ما قام به الكبيران أسامة أنور عكاشة كتابةً، واسماعيل عبدالحافظ إخراجاً (مع كوكبة هائلة من النجوم مرت على المسلسل) هو «دمغة» التميز التي سترفعه عالياً. بعيداً كثيراً عن هذا الإطار ــ كما التفكير- نشط المخرج مجدي أبوعميرة والمؤلفان أيمن بهجت قمر وعمرو محمود ياسين في القضاء كلياً على المسلسل ذي التاريخ الأسطوري. الدمار الذي ألحقوه بالسلسلة، «جريمة» بكل المقاييس. الأمر نفسه ينطبق على ما فعله المخرج محمد النقلي، والكاتب أحمد محمود أبو زيد في مسلسل «الكيف» المقتبس عن الفيلم بالعنوان نفسه عام 1985 للمخرج علي عبدالخالق، والكاتب محمود أبو زيد.
الدمار الذي ألحقه المخرج مجدي أبوعميرة والمؤلفان أيمن بهجت قمر وعمرو محمود ياسين «جريمة» بكل المقاييس

في حرفة «التخريب» الذي قام به المخرج مجدي أبو عميرة، والكاتبان أيمن بهجت قمر وعمرو محمود ياسين في «ليالي الحلمية 6»، يمكن الإشارة إلى أنّ الكاتبين والمخرج أرادوا إخراج المسلسل من «دائرته» المعتادة من حيث الكتابة. وهنا يمكن التماس العذر للكاتبين لأنّ أسامة أنور عكاشة مؤلف السلسلة الراحل لا يمكن استنساخه أو «اعادة تكرار» أسلوبه في صناعة الدراما. هذا العذر قد لا يكون كافياً للخروج بمهزلةٍ مماثلة. تفكيكياً، يفتقد المسلسل أولاً إلى الأبطال الذين ميزوا السلسلة في السابق، ولا نقول هنا إعادة إحضار الممثلين أنفسهم لتأدية الشخصيات نفسها ومسخها لاحقاً (كما حدث مع صفية العمري التي أدت دور نازك السلحدار بضياع مطلق في هذا الجزء)، بل بإحضار قامات كبيرة لدعم المسلسل ورفده بأسماء قادرة على منافسة «نجوم» الأجزاء السابقة. ازدانت الأجزاء الأولى بأسماء كبيرة مثل يحيى الفخراني، صلاح السعدني، أحمد مظهر، ممدوح عبدالعليم، سميحة أيوب، آثار الحكيم، فيما ضم الجزء الحالي كأبطال: هشام سليم، صفية العمري، إلهام شاهين، والوافدة الجديدة درّة. يمكن لأي متابعٍ حديث للمسلسلات المفاضلة بين الأسماء الواردة ونقاش ما إذا كانت بالقيمة نفسها. كل هذا كان ممكناً نسيانه، لو أنَّ القصّة مسبوكة كما اعتادت أن تكون، وهذا أمرٌ كفيل بإعادة «الجو» العام إلى صيغته الأصلية، لكن ذلك لم يحدث. الصراع الأزلي بين «الحارة» الشعبية، و«السرايا» بما تمثله من سلطةٍ وجبروت ونفوذ، اضمحل تماماً، واستعيض عنه بصراعاتٍ «هزلية» و«كاريكاتورية» سخيفة. بعدما كان الصراع بين عملاقين هما سليمان غانم (صلاح السعدني) وسليم البدري (يحيى الفخراني)، صار في هذا الجزء بين حمدي الميرغني صاحب الأداء الكوميدي الرديء الذي لا يليق أبداً بمسلسل من هذا الحجم، مرفقاً بمحمد عادل كممثلين لعائلة الغانم الصعيدية ضد عائلة «البدري» (الباشاواتية) ممثلة بسولي البدري (شريف فايد) وهشام سليم (عادل البدري) ولي لي البدري (درة).
في إطارٍ آخر، نجد الأخطاء الهائلة التي لا يمكن تمريرها. يعلم جميع متابعي المسلسل بأنَّ «أنيسة» (أو ماما أنيسة) هي التي ربّت علي البدري مذ كان طفلاً (علي البدري هو الممثل الراحل ممدوح عبدالعليم) وتناوب على أداء شخصيتها نجمات كثيرات مثل فردوس عبدالحميد، وسميحة أيوب حتى وصل الدور إلى سميرة عبدالعزيز. لذا، من المنطقي أن يكون عمرها في المسلسل قرابة مئة عام. مع ذلك، فإنَّ شكلها في المسلسل لا يتجاوز الستين. الأمر نفسه ينسحب على نازك السلحدار (صفية العمري) التي يجب أن تكون في أواخر العقد التاسع من عمرها، لكنّ شكلها كما أداءها يوحيان بغير ذلك. الأمر نفسه يتكرر مراراً مع «بسة» (محمد متولي) والنص (عهدي صادق)، فكيف لم ينتبه صنّاع العمل إلى ذلك؟ لا إجابة. إخراجياً، لا يمكن القول بأنه كان هناك مخرجٌ للعمل أصلاً، فلا كادرات مختلفة، ولا أداء تقنياً عالياً، ولا حتى مونتاج رفيعاً للمشاهد. يكفي القول فقط بأنَّ العمل «كارثة» بكل ما تحويه الكلمة من معنى.
بدوره، أتى «الكيف» تشويهاً للفيلم الشهير الذي شهد بطولة مطلقةً للنجمين محمود عبدالعزيز ويحيى الفخراني. أخرج المسلسل أسوأ ما في النجمين باسم سمرة (دور المزاجانجي الذي أداه في النسخة الأصلية محمود عبد العزيز) وأحمد رزق (صلاح الذي أداه يحيى الفخراني). ذلك أنَّ سمرة الممثل القدير واللماح لم يستطع أبداً أن يدخل في «الكاركتر» (الشخصية)، حتى أن ابتسامته الدائمة والواسعة تبدو مع الوقت مخيفة لا جذابة، بعكس تلك التي ميزت محمود عبد العزيز. بدوره، نجح رزق في تشويه الشخصية الثانية في الفيلم، فالصدق والتزمت اللذان ميزا الشخصية التي أداها الفخراني سابقاً، بدت مصطنعة وغير منطقية في لحظاتٍ كثيرة من المسلسل. القصة؟ حدث ولا حرج. ونظراً إلى أنّه هناك حاجة رئيسة لجعل فيلمٍ ناجح يمتد على ثلاثين حلقة، كان منطقياً بالنسبة إلى المخرج النقلي، والكاتب أبوزيد (الإبن)، اللجوء إلى خلق شخصيات أخرى اعتقاداً منهما بأنها قد تشد المشاهدين. لكن ذلك كان «استحالةً»، إذ اختفى البنيان الدرامي من القصة، فأضحت مهلهلةً، كما أنّ إضافة المطرب سعد الصغيّر الذي لا يمتلك أي موهبة تمثيلية، بدت إهانة أكبر للمسلسل. وحده بيومي فؤاد حاول النجاة بجلده عبر أداءٍ جيد. لكن ذلك لم يكن كافياً للإشادة به، فالنص ضعيف حتى الإنهاك.

* «ليالي الحلمية 6»: 00:00 على «النهار»، و00:00 على «الحياة الأولى».
* «الكيف»: 2:00 على «MBC مصر 2»