الأحزمة الناسفة التي انفجرت في جسد القاع أول من أمس، أشعلت معها حفلة جنون قد يملّ بعض المتورطين من تسميتها «عنصرية». عنصرية موجهة ضد مخيمات اللجوء السوري المنتشرة في المناطق اللبنانية وربط أزمتهم بكل تفجير إرهابي يصيب البلدات. اليوم، بات أي حق إنساني لهؤلاء يصادر تحت خيمة حماية الأمن والناس. مع كل لحظة تمرّ، وجب دق ناقوس الضمير الإنساني، مع حفلة الجنون المستمرة التي اتسعت دائرتها لتشمل ماكينة سياسية وإعلامية، تضع ثقلها في أبلسة النازحين، وتدعو الى طردهم أو أقله التحذير من تغيير ديموغرافي سيحدث بعد أعوام في لبنان.
فتح المنابر لتصريحات عشوائية وخطيرة

تفجيرات القاع المتتالية، صعّدت من الخطاب العنصري الذي إنضمت الى جوقته حفنة من الصحافيين ونجوم الفن وشاشات التلفزة ومواقع التواصل الإجتماعي. هذه التفجيرات فعّلت أيضاً خطاباً طائفياً تهويلياً، بما أن أغلبية سكان القاع من الطائفة المسيحية. هكذا روّج الخطاب أن العمل الدموي في القاع يسعى حصراً الى «تهجير المسيحيين» وفق ما أورد الكاتب في صحيفة «الجمهورية» صبحي منذر ياغي عن «مجزرة القاع» وكيف «أرادوها لتهجير المسيحيين».
في تداعيات التفجيرات الإرهابية أيضاً، إنزلق الخطاب الإعلامي على الشاشات اللبنانية، من دون الإنتباه الى خطورته، وسهل إلقاء التهم جزافاً، وإلباس النازحين لبوس الإرهاب وصبغ شعب مهجّر ومغلوب على أمره بهذه التهمة. ومع الإقرار بصعوبة هذا الملف الحساس والتسليم ربما بإستخدام اللاجئين ومخيماتهم كمطية للإختباء أو لتنفيذ عمليات إرهابية، إلا أنّ ما نشهده اليوم يتعدى أي منطق، ويذهب بنا الى أتون من التحريض والكراهية. هكذا، استسهل المراسلون الميدانيون ومعهم زملاؤهم في الاستديو، تمرير هذه الرسائل على الهواء من دون الإستناد الى أي مصدر. في خضم التغطية المباشرة لأحداث القاع صباح أمس، رأينا نادين كفوري على mtv تقول لضيفها الصحافي سيمون أبو فاضل: «يبدو أن الإرهابيين عم بيحتموا بقلب المخيمات»، وزميلها في المحطة المراسل جورج عيد الذي كان يدلي برسالته صباحاً أيضاً من بلدة القاع، ويستصرح الأهالي هناك، يقول: «قدرو الإرهابيين يستعملوا مخيمات النازحين سؤال يطرح». تبعه بسؤال خبيث الى أحد المارة: «سمعنا أنه فيه نازحين سوريين مستأجرين بالمنطقة (..) هل سيجري إخلاء هذه المساكن (..) عم يقولو بين 300 و400 إرهابي بالمخيمات». على قناة otv وضمن الرسائل المباشرة أيضاً، طالعتنا لارا هاشم، بما نسبته الى «معلومات خاصة» بالمحطة، مفادها بأن «مداهمة الجيش للمخيمات كشفت عن وجود غرفتين كان الارهابيون يستخدمونهما» وضبطت في داخلهما «معدات تستخدم لصناعة الأحزمة الناسفة». وخرج علينا الصحافي أمين قمورية على المحطة عينها ضمن فقرة «جريدة اليوم»، ليقول بأن لبنان له الأولوية و«المسألة الإنسانية» أي النزوح تأتي في المرتبة الثانية. ودعا الى ممارسة أساليب قاسية مع اللاجئين كما فعلت تركيا لأن «التركيبة السكانية عم تتغير... في بلد جديد عم يتركب».
إذاً، تغطية عشوائية سمتها العنصرية صبغت بعض الإعلام اللبناني، الذي فتح هواءه للمارة وللأهالي الغاضبين، الذين استُغلوا وقذفت بتصريحاتهم الإقصائية الى الرأي العام. أقل تعليق بينهم يقول «بدنا يفلوا (النازحون) ما بدنا حدا». كذلك، فإنّ تصريحات عنصرية كثيرة أدلى بها المسؤولون في القاع من رئيس بلدية ومحافظ بعلبك، بالإضافة الى مجموعة نواب المنطقة، على منابر الإعلام من «الجديد» الى lbci وغيرهما. يضاف اليهم مواد الصحافة المكتوبة، كإيراد صحيفة «الجمهورية» ضمن ما سمته «مرجع أمني»، أن «مخيمات النازحين السوريين باتت تمثّل البؤرة والملاذ الآمن للإرهابيين ونقطة إنطلاقهم لتنفيذ عمليات إرهابية». هذه الحملة المكثّفة أشاعت جواً متوتراً، ساهم في إزكاء الفتنة الأهلية منها ومع النازحين أيضاً، واستخدمت الإستعراض الإعلامي المتجلي في تعمد إظهار الأهالي الذين يحملون السلاح، وقد إنضمت اليهم أيضاً مجموعة من النساء، فبات عنوان الخبر على الشكل الآتي «بالفيديو: نساء القاع يتجوّلن بالرشاشات» على طريقة الأخبار الخفيفة المنوّعة. مشهدية سوداوية خطرة تزنر اللبنانيين والسوريين معاً.