تمنح الوجوه المركزة في الكانفاس الشرعية للوحاتتحب الفنانة الكاتلانية المولد أن تضيف الشغف إلى الحديث دائماً، ويتمظهر هذا الشغف في استفاضاتها المتكررة أثناء الشرح، واستعانتها بالفنون الأخرى في معرض شرحها عن فنّها نفسه. هذه من صفات كثير من الفنانين المعاصرين عموماً، لكن كابيلو تحيل هذا إلى نشأتها الغجرية. نشأة تركت فيها أثرين رئيسين، الأول هو الشغف، والثاني قدرتها على تفهم المجتمعات المحافظة. الشق الأول لا يحتاج إلى تفسير، لكن الجزء الثاني، كان خلال اجابتها عن الدوافع خلف اهتمامها برسم النقاب، والنساء المنقبات. قالت كلاماً مألوفاً عن الربيع العربي، والتغيّرات في العالم العربي. ما يقوله كثيرون عن الأسئلة التي تنضج في رأس الفنان، فيذهب إليها، لأنه لا يستطيع الذهاب إلى الأجوبة. اللافت أنّ قول كابيلو بأن المجتمعات العربية هي مجتمعات محافظة، ليس كلاماً استشراقياً رغم أنه عام، إذ أنه ليس اختزالياً، كما أن كابيلو تحاول أن تجد رابطاً بين تفهمها للمنقبة العربية، وبين المرأة في المجتمع الغجري. تقول إن المرأة العربية والمرأة الغربية متشابهتان، وهذا طبعاً استشراقي، وإن كانت النية التي تقف خلفه لا تتجاوز سوء الفهم. ورغم أن كابيلو متأثرة بلوركا وبالشعراء الإسبان، إلى جانب تأثرها بغويا وعديد التشكيليين، فإن لوحاتها تقول على نحوٍ أفضل، ما لا تجيد الفنانة قوله.
في أعمالها، تستعين كابيلو بكل ما يمكن الاستعانة به. طفولتها والمشاهد الأولى في هولندا، وتمزج هذا كله مع الكولاج. خليط من روحها ومن المادة الفنية. اللوحة الواحدة يمكن أن تكون أكثر من لوحة. جلدها هو لوحاتها، وهو على طبقات، تماماً كهويتها المركبة والمتأثرة بترحالها بين مدرسة فنية وأخرى، تحت سماءات أوروبا الشاحبة. استعانت بنظريات كيميائية لدراسة المواد التي استخدمتها أيضاً، لكنها لا ترسم من دون مغزى، بحيث أنها لن تنهض عن الكرسي قبل أن تنهي القصة. كل لوحة هي رواية أيضاً، تحبّ أن ترويها بتأنٍّ وأن يتلقاها الناظر إليها دفعةً واحدة. لماذا ترسم؟ هذا سؤال وجودي. تفضّل أن تجيب عن كل لوحةٍ لوحدها. إنها تروي رواية، ولذلك، فإن عملية السرد مهمة بالنسبة إليها. تتنقل في لوحاتها كما لو أن المتلقي يسير إلى جنبها. تروي الرواية لنفسها أيضاً. عندما التقيناها في أحد فنادق وسط المدينة، قالت إنها أمضت الوقت على البحر. وجدت كابيلو بيروت مدينةً متوسطية على مزاجها، وتقول بلكنةٍ خالية من أي مسايرة، إنها «مدينة يمكن العيش فيها، يمكن الرسم هنا». تجربتها مع المدن العربية الأخرى، دبي تحديداً، لم تكن ايجابية. وتتوقع في الوقت ذاته، أن يستقبل الجمهور البيروتي أعمالها بطريقة مختلفة عن الجمهور في دبي. حذرناها من أن هذا قد يكون مديحاً مبالغاً فيه لبيروت، فأكدت أنها تؤمن بالمدن المفتوحة. وبيروت من هذه الناحية، مدينة مفتوحة، على البحر والسماء، لولا طفرة المباني الباطونية الآخذة في الصعود، كما لو أنها طوق يلتف حول عنق المدينة. مشاريعها الجديدة كثيرة أيضاً. بعد بيروت، «ريتروسبكتيف» في برشلونة، وبعد ذلك ستقيم معرضاً في لاكرونيا، في اسبانيا أيضاً. بعد كل شيء تشتاق إلى اسبانيا، كما لو أنه شوق إلى طفولتها الغجرية، تجد أن إعلانه في مكانٍ غير لوحاتها سيكون شكلاً من أشكال الخيانة.
«زهور من الخيال»: حتى 18 حزيران (يونيو) ــ «غاليري أوبرا» (وسط بيروت) ـ للاستعلام: 01/971471