سينتهي مسلسل الكاميرا الخفية الطويل مع انتهاء شهر رمضان! لا نقصد بهذا البرنامج المفبرك «رامز بيلعب بالنّار» الذي يحرص على «بوزات» ضيوفه النجوم، حتى وهم يشتعلون بالنار، أكثر مما يحرص على صدقيته أمام الجمهور! بل نقصد الأعمال السورية هذا الموسم، إذ يبدو أننا أكلنا فيه «الضرب» ولن نستفيق من المقلب إلا بعد انتهاء شهر الصوم. وإن كان رأس الصواب هنا الاستعانة بالقاعدة الآينشتانية التي تقول: «كل تعميم خاطئ».من المبكّر جداً الحكم على مستوى الدراما التلفزيونية هذا الموسم، لكن يمكن نسج انطباع مبدئي بعد عرض ثلاث حلقات من الدراما السورية، بما فيها المسلسلات المشتركة التي تكفّلت هذا العام بمهمة إطاحة مجد الممثلين السوريين النجوم على رأسهم تيم حسن، وقصي خولي، ومكسيم خليل وقيس الشيخ نجيب.
فجأة تحوّل هؤلاء إلى مجرد «مانيكانات» من شمع و«موديلات» في كليبات طويلة مملّة في «يا ريت» (كلوديا مارشليان وفيليب أسمر) و«جريمة شغف» (نور الشيشكلي ووليد ناصيف) و«نص يوم» (باسم السلكا وسامر البرقاوي عن قصص أجنبية). صارت مهمة الممثلين الأكثر احترافاً وشهرة ووسامة في سوريا الظهور بالشكل نفسه، والعمل ذاته، والطواف حول الفكرة المقدّسة عينها. قصة الحب التي تنبع كل مرة من جنبات مبدعي الدراما الجديدة بأسلوب يختلف بنحو ثلاثة سنتات لا أكثر! الأدهى أن نجوم سوريا تحوّلوا في بعض الأماكن إلى «سنيدة» لممثلات يُختلف على موهبتهن. وإذا تباين مستوى تلك الأعمال، يبقى القاسم المشترك «لعبة الدجل الإخراجية» بالاعتماد على التقنيات الحديثة واستثمار الطبيعة الساحرة لمصلحة الهوية البصرية، والشغل على إظهار الأبّهة من دون إعارة الحد الأدنى للتفاصيل والمبررات الدرامية. مثلاً، يسافر «أوس» (سوري الجنسية ـ قصي خولي) في «جريمة شغف» إلى مصر بمنتهى البساطة، رغم أن أبواب «المحروسة» مقفلة منذ زمن طويل أمام السوريين، ولا يمكن تحصيل تأشيرة دخول إلا لكل طويل عمر. نتعرّف إلى مضيفة الطيران الفقيرة الوحيدة في عالمنا العربي (نادين نسيب نجيم)، إلى درجة أنها مكفولة من رجل أعمال كبير. طبعاً، قبولها الصدقة من وريثه الشرعي الوحيد (تيم) لا يتنافى ــ وفق الحلول الإخراجية العبقرية لسامر البرقاوي ـ مع الغنى الواضح في ملابسها وماكياجها والإطلالة المترفة لملكة جمال لبنان السابقة. ويغطّ على قلب ميّار (تيم حسن) لمجرد أن يلمح صاحبة القوام الممشوق كأنه قادم لتوّه من شبه صحراء قاحلة لا من «مدينة الضباب»! الأمر ليس بأفضل حال عند «يا ريت» الذي يقع منذ حلقاته الأولى في فخ تسطيح المعاناة السورية، من خلال فرضية لا يمكن منجمي الأرض وليلى عبد اللطيف معهم التنبؤ بها. فرجل الأعمال فاحش الثراء قطع اللقمة عن أهله 20 عاماً، ثم استفاق ضميره على غفلة من قواعد الدراما العامة كلّها، وعاد فجأة بسيارة إسعاف لينقذ والدته المريضة! لكن ترى كيف عرف طريق بيتهم بهذه السهولة!
مهلاً. أين النجم «الحبّيب» عابد فهد بالنسبة وسط هذه المعمعة؟ الجواب لن يتأخر لأن «زورو» المتقمّص مصادفة شخصية «حسن الصبّاح» (شيخ الجبل) سيظهر بطريقة كرتونية في مسلسل «سمرقند» (سيناريو وحوار محمد البطوش، إخراج وإنتاج إياد الخزوز) كأنه عبر من طريق الخطأ من أفلام الأكشن الهوليوودية إلى التاريخ، وراح يطيح رجال الشرطة والحرّاس الذين يجربون القبض عليه بأسلوب بهلواني.
على مستوى الدراما الشامية، يستمر «الشباب الطيبة» في لعبة «التجارة الرخيصة» على حساب كل ما بقي من معايير فنية! النجم رشيد عسّاف يظهر مجدداً كما في كل عام مهما اختلفت التسميات. هذه المرة، هو زعيم «حارة القصب» في مسلسل «عطر الشام» (مروان قاووق ومحمد زهير رجب). وفق منطقه التمثيلي المتفرّد، لا يسمح بحلق شنبه مثلاً، أو أن يتلقّى صفعة من أحد، أو أن يلعب شخصية الخسيس والنذل. ولن يظفر بالبطولة المطلقة سواه ولو اضطر إلى تكرار ذاته في حكاية معلوكة إلى درجة منفّرة. القصّة باختلاف جوهري ومفردات ثابتة تستعين بها «خاتون» (طلال مارديني وتامر إسحق) مع إفادة مفضوحة من شخصية «عكّاش» التي لعبها جمال سليمان في «الثريا» (1998 لنهاد سيريس وهيثم حقي). لكن يلعبها هذه المرة باسم ياخور بتعديلات معيّنة، إلى جانب بهارات المكائد النسائية والوقاحة الاستعمارية لرجال «الفرنساوي» الوافدين من لبنان الشقيق (بغية التسويق). يضاف إليها النظرية البائدة في إظهار أصوات الممثلين والمؤثرات الحماسية في الشارة، وهي موضة دارجة هذا الموسم! مع ذلك، يظل «خاتون» الأكثر شداً بين مسلسلات البيئة الشامية بسبب الأداء المتقن لممثليه.
من جهته، يغرق «باب الحارة 8» (سليمان عبد العزيز وناجي طعمي وبسام الملا) في مسرحية الهزل السنوية كأنه تحوّل إلى مسرحية تجارية باهتة، لا تعود بالفائدة إلا على جيوب صناعها، إضافة إلى الإجهاز على ما بقي من ذائقة عامة... «النمس» و«تنكة» و«أبو جودت» و«فتّوح مزين» (الدركي الحلبي) يتسوّلون ابتساماتنا كل الوقت. حتى العكيد الجديد «معتز» (مصطفى سعد الدين) انضم إليهم في التهريج بذريعة نعومته وبنيته الطرّية. يظهر كمن يستجدي تعاطفنا على ظلمه وإسناد دور القبضاي له!
من ناحيته، يرشدنا المخرج سمير حسين إلى توقيت مسلسله «صرخة روح» مصرّاً على أن اسمه «وجع الصمت» رغم أن mtv تضعه «صرخة روح» وقد زاد على فرضيات الخيانة الجنسية الممجوجة الأداء المدرسي للمذيعة ستيفاني صليبا.
الكوميديا ليست بخير، خاصة بعدما تسلم سيف الشيخ نجيب مشروع «بقعة ضوء 12». المخرج الذي قدّم كارثة سينمائية تدّعي زوراً أنها كوميدية اسمهاWelcome To Lebanon، أنجز «بقعة ضوء» بمنطق الاستسهال المطلق، واستبعاد اللوحات التي رشحتها له شركة «سما الفن» المنتجة، إذ كانت تتطلب جهداً إخراجياً حقيقياً، إضافة إلى غياب النهايات الذكية التي تميّز مثل هذه المسلسلات، وتقديم الجماعات التكفيرية على أنها في غاية البلاهة والسذاجة والغباء، تماماً مثلما قدّم يوسف رزق سابقاً العدو الإسرائيلي.
الحلقة الأولى من «الطواريد» (قصة شادي دويعر سيناريو وحوار مازن طه إخراج مازن السعدي) جاءت على مستوى متواضع جداً معتمدة على أسلوب الراوي الذي يطرح فرضية بلهاء، إلا أن أداء نجوم الكوميديا أيمن رضا، ومحمد حداقي، وأحمد الأحمد، وقاسم ملحو، وعبد الهادي الصبّاغ ربما أنقذ الموقف لاحقاً.
تحول تيم حسن، وقصي خولي، ومكسيم خليل وقيس الشيخ نجيب إلى مجرد «مانيكانات» في كليبات طويلة مملّة

الدراما المعاصرة هذا الموسم يمكن تسميتها «دراما الفلاش باك المشتت». في أولى تجاربه التلفزيونية عبر «أحمر» (كتابة علي وجيه ويامن الحجلي)، غرق المخرج السينمائي الشاب جود سعيد في شبر ماء، وتاه كلياً أثناء ضبط زمنه، وراح يجرّب تلوين الصورة في كل فترة يقدّمها، مع الإشارة الكتابية الواضحة إلى التاريخ، من دون أن يتمكّن من إيصال صورة ناضجة أو حالة متماسكة. هكذا، ضاع مشاهده نتيجة انعدام الحد الأدنى من الضبط الزمني رغم أنه إحدى المفردات البدائية لمهنة الإخراج. ولم تسعف سعيد الإفادة الترويجية عند حذف الرقابة السورية مشهدين من الحلقة الأولى لدى عرضها على المحطات الرسمية. ورغم التشويق الواضح والأداء المتوقع من النجم بسام كوسا بدور رجل الأعمال المافيوي في «دومينو» (كتابة بثينة عوض وغسان عقلة وإخراج فادي سليم)، إلا أن سليم يقدّم دمشق بشكل لا يعرفها أحد عنها، ولم يسبق أن شاهدناها بهذه الرتابة والأبهة والهدوء. كذلك، أبى سليم إلا أن يهوي بوتيرة عمله من خلال «فلاش باك» بارد يروي أصل البلاء الذي يبثّه نوح ضد شريكه ووالد زوجته.
يبقى نجم «الفلاش باكات» الكاتب «عروة» (محمود نصر) في «الندم» (حسن سامي يوسف والليث حجو) الذي عوّلنا عليه. وبالفعل يبدو أن العمل أفضل الموجود، خاصة في القسم الذي يحكي سيرة عائلة أبو عبدو الغول سنة 2003، متكئة على أداء مدروس من جميع الممثلين، بخاصة النجم سلّوم حداد الذي يقدم مقترحاً ممتعاً لحوت تجارة اللحوم. لكن حالما يقفز الزمن إلى الوضع الراهن، حتى نغرق في ظلمة الروائي المكتئب وجمله الإنشائية وحالته الوجدانية التي لا تشكّل محور اهتمام من قبل العامة. ولو حيّدنا موضة الفلاش باك جانباً، سيطل علينا الثنائي المؤلف فادي قوشقجي والمخرج سيف الدين السبيعي في مسلسل «نبتدي منين الحكاية» ليقدما أحداثاً حياتية عادية في ثلاث حلقات عن رجل يفقد التصالح مع ذاته (غسان مسعود) ويجرّب مواراة مرضه الخطير بالعودة إلى حبيبته القديمة (سلافة معمار). وتنفصل الأخيرة عن عشيقها (محمد قنوع) في مصادفة هندية عندما يقرر حبيبها الأول العودة إليها.
لا نعر ف لماذا يختار النجم أيمن زيدان تجريب الإخراج وفق هذا المنطق الميلودرامي الرتيب والمملّ والمجافي لأدائه التمثيلي الرشيق والحيوي والمتقن الذي نشاهده في «أيام لا تنسى» (سيناريو وحوار فايزة علي) وهي النسخة التلفزيونية السورية عن رواية «ألف شمس مشرقة» للروائي خالد الحسيني، إضافة إلى الأداء المسرحي الواضح على بطلة العمل الشابة روبين عيسى. أخيراً، أطاح «العرّاب - تحت الحزام» (تأليف خالد خليفة وأحمد قصار وإخراج حاتم علي) الشخصية التي لعبها كاتب سيناريو الجزء الأول رافي وهبي، وبدأ توزيع التركة بين ورثة «أبو عليا»، وتصدّر جاد (باسل خيّاط) المشهد كعرّاب جديد للعائلة. رغم الإيقاع الممل، إلا أن أداء خيّاط وحده كفيل بشّد المشاهد وتعديل المزاج وسدّ فراغ العرّاب الحقيقي جمال سليمان.
كل ما سبق على علّاته، يبقى أفضل بآلاف الأميال من الاستباحة الواضحة للدراما في عدد كبير من المسلسلات التي اجتاحت المشهد الدرامي بدعم من الفوضى والخراب الذي يضرب الشام.