باتت برامج سهرة الاثنين («للنشر»، «حكي جالس» و1544) أشبه بكابوس. تعتاش على الجرائم واقتحام الخصوصيات، فكيف إذا كانت هذه الجرائم تهزّ مجتمعاً بأكمله وتفرض حساسيةً عالية في التعاطي معها؟ كثيرة هي القضايا التي حضرت على طاولة هذه البرامج «الاجتماعية»، وفي أحيان كثيرة تكون عينها وبالتوقيت نفسه على الشاشات الثلاث (mtv ،lbci و»الجديد»).
تتسابق هذه القنوات على تناتش ضيوف وخبايا الحوادث الدموية وصنع سبق ولو على حساب الأخلاقيات الإعلامية والإنسانية. عند مقتل الطفلة سيلين ركان، مطلع السنة الجارية، تحولت الشاشات سريعاً الى قضاة وخبراء في الجنايات وتحليل الصورة. هكذا قتلت الطفلة الصغيرة ألف مرة على الهواء، وذهبت الاتهامات يمنة ويسرة، لكن الأهم أنّ طوني خليفة (1544 على mtv) استحصل وقتها على مقابلة حصرية مع والد الطفلة من كندا. بعد ذلك، راحت المواقع الإلكترونية تجترّ بدورها السيناريو عينه في تحليل الفيديوات والحركة والصورة وإصدار الحكم. كأنّ بعض الإعلام اللبناني تمنى أن تتكرر حوادث مماثلة كي يستثمر عبرها جمهوراً متعطشاً نحو التلصص. وفعلاً، تكررت الحوادث بدرجات متفاوتة. أول من أمس، انتشرت على الشاشات الثلاث قضية المغدورة سارة الأمين التي أرداها زوجها بـ 17 طلقة من مسدسه بكل دم بارد. الجريمة التي هزّت المجتمع اللبناني لهولها وفظاعتها، انتشرت تفاصيلها على المواقع وفي التقارير الإخبارية قبل أسبوع، وتسابقت هذه المنصات على نشر صور الدماء المتناثرة على الأريكة الصفراء. وأول من أمس، حضرت جريمة سارة ومعها قضية العنف الأسري. لم نفاجأ بهذا المستوى من الأداء الذي بدا بعضه خارجاً على كل أصول المهنة واحترام الإنسان. اقتحم الإعلام خصوصيات عائلة سارة ودخل في تفاصيل لا تسمن ولا تغني من جوع. حوّر قضيتها التي تحوّلت من قضية رأي عام الى أخرى متفرقة تبعاً لأهوائه كما فعل طوني خليفة في أسوأ أداء له على الإطلاق. بدا كأنه يعيش في برج عاجيّ ولا يرى ما يحدث حوله من تعنيف وإذلال للمرأة في منزلها الزوجي الذي قد يصل الى الموت، كما حصل مع سارة وأخريات. صوّب خليفة سهامه على الجمعيات الأهلية التي تعنى بحماية النساء المعنفات، متسائلاً عن التمويل الذي تحصل عليه من السفارات الأجنبية.

هاجم طوني خليفة
الجمعيات النسائية

أكثر من ذلك، سخّف قضية العنف الأسري، ملقياً المسؤولية على الجمعيات نفسها التي قال إنّها تستفيد بل تفبرك أحياناً قضايا مماثلة. ذروة الفظاعة أنّ خليفة لمح إلى أنّ سبب هذه الجرائم هو إقدام المرأة/ الضحية على تقديم شكوى بحق معنفها! أكثر من ذلك، اتهم خليفة هذه الجمعيات بأنها السبب وراء مقتل هؤلاء النسوة، مبرراً بذلك عنف الأزواج وجرائمهم! أما جو معلوف («حكي جالس» على lbci) فاستضاف ابنتي المغدورة وخالهما على الهواء. لم يحترم أنّ الابنتين لا تزالان تحت وقع الصدمة، بل مارس عليهما دور الجلاد أيضاً. هكذا انهالت الأسئلة الغريبة العجيبة عليهما. السؤال الصاعقة كان للصبية دانا التي قرر والدها تنفيذ جريمته المرّوعة في عيدها. سألها معلوف بفظاظة: «أديه حسيتي بالذنب إنو بعيدك صار هالشي؟». كل هذا الاستجواب حصل تحت وقع عرض متتال للفيديوات التي التقطت في اللحظات الأولى للجريمة أمام منزل الزوج، ناقلةً تلك الأجواء المشؤومة من هناك. بدا كل ذلك ممارسة لعنف إضافي بحق هاتين الضحيتين أيضاً. أما برنامج «للنشر» الذي تقدمه ريما كركي على «الجديد»، فقد قارب القضية حاصراً مقاربتها بأهل الفقيدة: والدتها وأخيها وابنها الشاب. لكن كان يمكن الاكتفاء بالتقرير المعروض مسبقاً عن القضية التي ظهر فيها معظم هؤلاء وآخرون، وفتح معالجة أخرى للجريمة. كما في كل مرة، أتحفنا الإعلام اللبناني باستغلاله لهذه القضايا عبر تسطيحها وإفراغها من مضمونها لصالح مقاربة سطحية و»فضائحية» تستغلّ ضحايا الصدمات النفسية لممارسة المزيد من العنف عليهم. قضية سارة الأمين لن تكون الأولى والأخيرة، لكنّ أياً من هذه الأسئلة لم يطرح في هذه المنابر: هل يعرف أحدهم بنود قانون حماية النساء من العنف الأسري؟ وما هي الثغَر فيه؟ ومَن المعرقلون لإقراره بصيغته الكاملة؟ هل تابع أحد هؤلاء الإعلاميين مصير الشكوى التي قدمتها الأمين قبل أسابيع من مقتلها الى النيابة العامة بحق زوجها المعنّف؟ وعلى من تقع المسؤولية هنا؟ هذه الأسئلة وسواها كانت لتفتح نقاشاً جدياً في القضية، وتعمم الإفادة على الجميع بدل تحويل الشاشات ليل الاثنين الى منابر للاستغلال الرخيص. في الخلاصة، كان علي الزين (القاتل) حياً على هذه الشاشات، نال ما يتمناه من تعذيب لابنتيه وتبرير جريمته، وإساءة لزوجته التي قتلها بدم بارد!