«المدينة» تشرب نخب رضا كبريت

  • 0
  • ض
  • ض

ينتمي رضا كبريت (1930) إلى زمنٍ يُتفق اصطلاحاً على تسميته بالجميل. إنه زمنُ تُنسب إليه صِفة الجمال كتعويضِ ربما عن انقضائه، حيث أن ثمة حنيناً دائماً لما فات، والحنين لا يقود إلا إلى الماضي.

غير أنه من المؤكد، في حالة رضا كبريت، أن الماضي كان حاضراً في ماضيه، والغريب أن اقتفاء أثر هذا الماضي في حاضرنا نحن بات صعباً. نتحدث عن جيل الستينيات الذي ينتمي إليه، وعن مسرح الستينيات تحديداً، بما أن كبريت كان مسرحياً.
رضا كبريت بيروتي. وهذه هي هويته الأساسية التي طبعت أعماله. وجد نفسه في البسطة، والعارف بتاريخ بيروت المعاصر، يعرف أجواء البسطة في زمانها. القبضايات والبكوات وما إلى ذلك من البسطة وصولاً إلى الجميزة. قد يكون الحديث سهلاً عن طوائف طبخت الغرائز بهدوء حتى انفجر كل شيء في السبعينيات، والقول إن الستينيات كانت فترة غليان غير معلن، لكن البسطة كانت مختبراً للتعايش، وهذا ما انعكس في أعمال كبريت وفي طبيعتها. نتحدث عن فنان كان موظفاً بدوامٍ عادي، لكنه عرف المسرح وأحبه. وعلى الأرجح، هذا كان شغف السيتينات. تلك الحقبة التي عرفت المسرح الشعبي مع حسن علاء الدين (شوشو)، وأسست في آخرها لمسرح زياد الرحباني الغني عن العريف. يتوجب التذكير هنا، أن رضا كبريت كان شغوفاً، عمل مع شغوفين، من بينهم نضال الأشقر وروجيه عساف. لم يكن «سوبر ستار» حقبته، ولم يتابع عمله بعد الحرب، ما أسهم كثيراً في سقوط اسمه من ذاكرات كثيرين، رغم أنه عمل إلى جانب فنانات شهيرات، كسناء جميل ومحسنة توفيق. والمسرح بالنسبة إليه ليس شعبياً بالمعنى الذي يحاول بعض ابتذاله. لقد عمل إلى جانب جورجينا رزق، التي إن ذكر اسمها أمام ثلاثة أشخاص، لا بد وأن يعرفها واحدٌ منهم. أنتج لها مسرحية «نوار». بقيت جورجينا رزق في الذاكرة لأنها البطلة، لكن رضا كبريت لم يكن بطلاً.


أدخل المسرح إلى بعلبك، عبر «حالة طوارئ»، ولعب في «الستارة» منتصف السبعينيات

انقطع عن المسرح، واتخذ موقف المنكفئ أو المتراجع عنه، بعد بداية الحرب الأهلية. لم يخسر شغفه بالمسرح، لكن المدينة خسرت شغفها بالتفاصيل القديمة. في إحدى المقابلات، يقول كبريت إنه آمن بالمسرح، وإنّه كان للمسرح دور. لكن هذا الدور لم يكن كدور القصيدة، أو دور الأدب. يحيل ذلك إلى «الحكواتي»، الذي اقتنع فيه كبريت من البداية، والذي يلعب دور الناقل من المجتمع وإليه، على نقيضٍ من الدور التحريضي الذي يلعبه الشاعر، أو الكاتب. في المحصلة، لم تترك الحرب خيارات كثيرة لجميع هؤلاء الذين صعدوا في مختبر الستينيات، ووصلوا إلى الحرب منهكين من شدة الأمل بالنجاة. غالب الظن أن جمهور الستينيات غادر هو الآخر مع أبطال المرحلة. ولذلك ثمة انقطاع بين جيل اليوم، وبين جيل الحقبة التي حاولت أن لا تقع في حفرة الحرب الطويلة. ثمة أسماء نجت ولكنها نجت لأنها لم تحدث قطيعة مع الصيغة الجديدة بعد الحرب. ريمون جبارة مثلاً كان مسرحياً كبيراً، ولكنه في ذهن الكثير من شبان اليوم، مسرحي كبير يحب سمير جعجع. الصفة الأخيرة ملازمة له، كما لو أنها الصفة التي أحيته، أو أبقته حاضراً في وعي جماعي شرب من الحرب ونهل من نتائجها. رضا كبريت لم يكن واحداً من هؤلاء، رغم انه انتمى إلى الحزب القومي السوري في مرحلةٍ من حياته، وذلك كان خياراً لا علاقة له بأعماله. يحسب له أنه أدخل المسرح إلى بعلبك، عبر «حالة طوارئ»، وأنه لعب في «الستارة»، منتصف السبيعينات، في البداية، حيث لم يكن واضحاً إلى أين ستذهب الحرب. كذلك الأمر، عمل في مسرحية «سنقف سنقف»، التي لحن أغانيها الراحل فيلمون وهبي، كما كتب أغانيها غسان مطر، والشاعر طلال حيدر. شيئاً فشيئاً، يتضح أن الأسماء التي عمل معها كبريت هي أسماء كبيرة فعلاً. أسماء قد لا يترك تردادها أي صدى في آذان جيل ما بعد التسعينيات، لكنها واضحة تماماً لمن سبقوا الحرب الأهلية. نتحدث عن لطيفة ملتقى، وميشال نبعة، ونبيه أبو الحسن ويعقوب الشدراوي. نتحدث عن الكاتب سعيد تقي الدين، الذي مثلّ له رضا كبريت «نخب العدو»، و«المنبوذ»، في زمنٍ، يجب أن نتفق اصطلاحاً على أنه كان جميلاً، بحيث أن المسرح لم يكن منبوذاً، والمدينة كانت مختبراً حقيقياً.

* يوجّه «مسرح المدينة» (الحمرا) تحية إلى الفنان رضا كبريت بدءاً من السادسة من مساء غدٍ الخميس ـــــــ للاستعلام: 01/753010

* يتخلل التحية توقيع كتيّب (دار الفرات) يتضمن صوراً وشهادات ومحطات من حياة كبريت.

  • رضا كبريت مع طوني حنا وسلوى القطريب خلال التدريبات لمسرحية «سنقف سنقف» (1974)

    رضا كبريت مع طوني حنا وسلوى القطريب خلال التدريبات لمسرحية «سنقف سنقف» (1974)

0 تعليق

التعليقات