عبد الكريم الشعار... يرتجل ويُفرّد ويسلطن

  • 0
  • ض
  • ض

إذا كان عبد الكريم الشعار قد أدىّ بامتياز حتى اللحظة، مهمة استحضار روح فن الغناء العربي، من خلال إطلالاته الفنية، بما فيها حفلاته المتكررة في «مترو المدينة» التي اعتمد فيها على استعادة أغنية واحدة عنواناً لسهرته، يؤديها على طريقته، فإن معايشته الطربية اليومية بتفاصيلها كافة، هيأت له أن يؤدّي ببراعة دور «الناقل» لكنوز الكبار (زكريا أحمد، السنباطي، القصبجي، وأم كلثوم ومحمد عبد الوهاب وسواهم)، ما جعل هذا التراث الغني في منأى عن الذبول والاضمحلال.

لا يزال عبد الكريم الشعار مُغرماً بالتأصيل وبرسوخه في استعادته من دون تأثيرات تكنولوجية في دربه الموسيقي والغنائي، ذلك أنّ إبداعاته الأخيرة الخاصة بـ «مترو المدينة» لا تتجدد إلا بالصوت وحده. صوت يرتجل ويُفرّد ويسلطن، حتى لتبدو الأغنية العربية لديه، أغنية ارتجال، لا كتابة ولا تنويطاً. الليلة، تُفتح أبواب «مترو المدينة» ليصدح صوت الشعار بأغنية «أمل حياتي» تحت عنوان للحفلة «خليني أعيش» (كلمات أحمد شفيق كامل، وألحان الموسيقار محمد عبد الوهاب). الفرقة الموسيقية المرافقة تتألف من: خالد نجار (عود)، محمد نحاس (قانون)، سماح أبي المنى (أكورديون)، زياد جعفر (كمان)، وبهاء ضو (رق).
مع عبد الكريم الشعار، الصوت هو سيّد الآلة. صوته يجنح باستمرار الى تطوير القوالب الجامدة. صوت «هبة» يُترجم الرؤى والأحاسيس في الغناء، بوقفات وترجيعات صحيحة على خلفية متينة وشفافة في آن، تؤكد استعدادها مع كل أغنية على المغامرة والفعل.
مناسبة تليها مناسبة، ودائماً مفهوم الغناء العربي عند الشعار، لا يتغير بل هو الإمعان وتأكيد الالتزام، وتكرير هذا الالتزام عبر أجمل الأغنيات العربية التي يعيدها الشعار الى بداياتها بأصوات أصحابها كالسيدة أم كلثوم على وجه الخصوص.
دفقٌ صوتي لا ينتهي، ينسحب على الغناء مُدّعماً بحب الأغنية نفسها، وحب الأغنية شرط أساسي لاستعادتها بمزاج، وشرط ليعود الزمن الماضي فتياً، شاباً ومُكوكباً بهالات الحرية والألق. وربما تجربة عبد الكريم المميزة هي تمارين على «الغناء الحق»، حيث تفقد الأغنية كل حيلة بين يديه وتكون الأحاسيس مجردة، لا بل ربما تكون مجرد أحاسيس. عن سؤالنا حول كون الشعار فناناً ملتزماً بصنف مُعيّن من الغناء، وعمّا إذا كان هذا الالتزم مُربحاً على الصعيد المادي أم هو صاحبُ نهج يدعو الى تأصيل الأصيل في رؤية غير تجارية ترى إعلاء روح الفرد، يقول الشعار: «أنا مثل سمك السلمون يسير عكس التيار. السلمون من أصناف الأسماك الغالية، لكنه يكتفي بإلقاء بيضه ومن ثم يموت. المادة لا تمنحك السعادة. السعادة لا تُشرى، الرغبة بالسعادة هي في الجينات وليس في الجيبات. موهبتي هي سعادتي. أنا «سميع» بالدرجة الأولى، هذه الموهبة تكلفني الكثير، ذلك أنني لا أرضى أن أغنّي كل شيء أو أي شيء، خصوصاً على غرار ما تسمعينه اليوم ويسمونه غناء. كل أغنية لي هي بمثابة «ماتش فوتبول». وحتى الآن، لم تُرفع في وجهي لا بطاقة حمراء ولا صفراء، بل إنني اكتسبت «سميعة» إضافية. الفنان أمامه خيارات كثيرة إما النجاح والشهرة الزائفة، وإما أن تمارس نفسك وشغفك. أنا اخترت أن أمارس شغفي». عن مواصفات «أمل حياتي» المقررة لحفلة الليلة وسبب اختيارها، يجيب: «اخترتها لما فيها من مواصفات لحنية عالية وتقنيات لافتة، فعبد الوهاب وضع فيها كل جبروته الموسيقي. أنت تعرفين أن أم كلثوم غنّت روائع متل «جددت حبك ليه»، «رّق الحبيب»، «غلبت أصالح»، والكثير من الروائع. لكن بقي في مفهوم بعض المتشددين أن صوتها «عورة»، فأتى أحمد شوقي وجعلها تبرع في تلاوة القرآن الذي تربت على تلاوته من خلال «نهج البردى» التي قدمها لها. التراث ليس التزاماً عندي. أغني كل شيء جميل. لكنني ابن حضارة عريقة ولدينا بعلبك وقلاع في طرابلس وحصون، لكن تسرح فيها الجرذان والحيوانات المؤذية، وعلى الفنان الحقيقي أن يقوم بتنظيفها وإزالة الغبار عنها وعن الثقافة الواسعة التي رفعتها. أنا أرى أن على الفنان أن يكون كمسدس «الماغنوم». لا وقت للالتهاء بخرطشته، بل عليك التصويب بسرعة الى قلوب وأفئدة المستمعين. كنت في طفولتي أؤذن في الجامع لمجرد متعتي الشخصية في إطلاق صوتي».
لماذا في «مترو المدينة» تحديداً؟ يجيب: «لأن الجميع هناك اصحابي. هشام جابر صديقي وهو يقوم بعمل جيد في هذا المجال. أشعر أنني أتعامل مع شباب عقولهم منفتحة. ومن خلال علاقتي بهم أمارس شبابي وماضيي معهم، نتحاور ونتفاهم على كل الأمور».

«أمل حياتي»: 21:30 مساء اليوم ـــ «مترو المدينة» (الحمرا) ـ للاستعلام: 76/309363

  • يرى الشعار أن عبد الوهاب وضع كل جبروته الموسيقي في «أمل حياتي»

    يرى الشعار أن عبد الوهاب وضع كل جبروته الموسيقي في «أمل حياتي»

0 تعليق

التعليقات