Ai Weiwei: فلسطين... مأساة اللجوء الأولى

  • 0
  • ض
  • ض

غزة | من بين مئات اللاجئين الذين تابعوا تحركات الفنان الصيني آي وي وي (1957) وهو يتنقل بطاقمه في أزقة مخيمات غزة، لا يبدو أن أحداً من المتجمهرين كان قد عرفه من قبل.

وفر دخول الموكب الصحافي المكون من عشرات السيارات ما يكفي من الفضول، ليتجمع حوله الناس مدهوشين من منظر الطاقم الصيني، الذي لم يشاهدوا مثله إلا عبر شاشة التلفزيون. في سوق مخيم النصيرات وسط مدينة غزة، أطال الناشط والفنان البصري المعروف، الجلوس متأملاً ما تبقى من حجارة «مسجد الشهيد عز الدين القسام»، الذي قصفته الطائرات الإسرائيلية خلال حرب عام 2014. وسط حطام المسجد، كان الناس قد افترشوا الأرض لأداء صلاة العصر. المشهد «مثير» بالنسبة إلى الطاقم الفني الذي أخذ يصوّر المنظر، متنقلاً بعدسة الكاميرا بين وجوه المصلين ومأذنة المسجد، التي بقيت وحدها منتصبة بعد تدميره، بينما قطع شرود آي وي وي مشهد سيدة تختلس النظر من شرفة منزلها، فعمد إلى توثيقه بكاميرا هاتفه الشخصي.
ورغم أن الفنان المشاكس لم يقم في غزة إلا ثلاثة أيام قبل أن يغادر أخيراً، إلا أنّه أمضاها في إنجاز قائمة طويلة من المهام السينمائية. هكذا، حرص على استغلال وقته في زيارة أكبرِ قدرٍ من الأماكن، حيث بدا مهتماً في التعرف إلى الأنماط الحياتية لمختلف طبقات المجتمع. صوّر عدداً من المشاهد في مخيمات اللاجئين، وأخرى في مدينة غزة، وفي ميناء الصيادين الذي يعد المتنفس الأبرز لدى السكان، وفي صالات الأفراح والأسواق الشعبية في كل من المدينة والمخيم. كما وضع الـ Focus على مشكلة الكهرباء وتأخر الاعمار، ومعاناة المسافرين على معبر رفح البري الذي فتح بالمصادفة ليومين تزامناً مع وجوده في غزة بعد 80 يوماً على اغلاقه. وكان يعمد في كل محطة يزورها إلى اقتناء ما يروق له من لباس شعبي بعد أن يسأل عن مناسبة ارتدائه لدى الغزاويين. كما تذوق كل ما أثار فضوله من مأكولات شعبية يتزاحم الناس على شرائها.


في غزة وجها
الموت والحياة في آن معاً
(آي. وي. وي)

وسط هذا الانشغال الشديد، استلزم الحصول على مقابلة صحافية كثيراً من الصبر والتحايل، إذ يلتزم آي وي وي بمواعيد تصوير أخرى في ألمانيا، استكمالاً لمشروعه الوثائقي الكبير «اللاجئون حول العالم» الذي جرى تصوير مشاهده في عشر دول يتواجد اللاجئون فيها من بينها لبنان، وفرنسا، واليونان، وتركيا، والأردن وبعض الدول الأوروبية. ويفترض أن يعرض الفيلم في نهاية 2016، على أن يترافق مع معرض لآي وي وي يقارب قضية اللاجئين.
بعد جولته تلك، وجد الفنان الصيني أنّ أساس مشكلة اللجوء في العالم بدأت من فلسطين. إذ كان قد صرّح لوكالة «أسوشيتد برس» يوم الأربعاء الماضي، إنّه يريد إدخال عنصر اللاجئين الفلسطينيين إلى فيلمه نظراً إلى أنّهم يشكلون «التاريخ الأطول لناحية التهجير واللجوء، وأعدادهم الكبيرة تعقّد مسألة الوصول إلى تسوية لقضيتهم». وتابع: «اللاجئون الفلسطينيون يشكّلون عنصراً أساسياً ومهماً جداً في مجمل مسألة اللجوء».
وأكد الفنان في حديثه مع «الأخبار» أنّ غزة كانت محطة التوثيق الميدانية الأخيرة في مشروعه، ولم يخفِ اندهاشه من واقعها، قائلاً إن هناك فجوة بين صورة غزة في الإعلام العالمي، وبين ما هو على أرض الواقع، فـ «في غزة وجها الموت والحياة في آن معاً». أما لماذا زار غزة دون باقي المدن الفلسطينية التي يسكنها عدد كبير من اللاجئين؟ الدافع بالنسبة إليه هو نصائح الجميع له بعدم زيارتها، لما يحمله الأمر من مخاطرة. ويضيف لـ «الأخبار»: «لديّ الكثير من الفضول حول غزة، والكثير من الأسئلة. مثلاً، كيف يستطيع سكانها البقاء على قيد الحياة في هذه الأرض؟» يتابع ضاحكاً: «الجميع قال لي لا تذهب إلى غزة. ولذلك قررت المجيء إلى هنا».
وبين كثير المواقع التي زارها الفنان العالمي في غزة، وقف بخشوع طويل أمام حديقة الحيوانات المحنطة في مدينة رفح، الحديقة التي نفقت جميع حيواناتها لعدم قدرة القائمين عليها على توفير الغذاء؛ بسبب ضعف قطاع السياحة الداخلية في غزة. صمت المخرج وطاقمه طويلاً أمام المشهد، الذي وجدوه تعبيراً بليغاً عن عمق الحصار المضروب على القطاع، الذي طال الحيوان كما آذى الإنسان طوال عشر سنوات.
غادر آي وي وي غزة عبر معبر بيت حانون الذي يربط بين القطاع والأراضي المحتلة عام 1948، وترك فيها ثلاثة فنيين من طاقمه، سيتكفلون بتغطية المزيد من قضايا اللاجئين الفلسطينيين، حيث شرعوا أخيراً بتصوير مزارعي المناطق الحدودية، إضافة إلى تصوير حي الكرفانات في بلدة خزاعة جنوب غزة.
القضايا والهموم والمشاغل الانسانية والاجتماعية تشكّل خيطاً ناظماً في مسيرة الفنان الذي اعتقل في بلده عام 2011 لمدة 81 يوماً بعدما وجهّ انتقادات للسلطات الصينية في ما خص سجلها الحافل في مجال انتهاك حقوق الانسان. والعام الماضي، انتقل آي وي وي إلى ألمانيا بعد استعادة جواز سفره. اشتهر آي وي وي بمقاربة الممارسات والتعديات في مجال حقوق الانسان، وفساد السلطة، والصدام بين الثقافة الصينية والنزعة الاستهلاكية الغربية.

  • خلال زيارته

    خلال زيارته

0 تعليق

التعليقات