لم يكن أكثر المتشائمين في ساحة الإعلام الفرنسي يتوقع أن تخلو القائمة النهائية لـ«جائزة غونكور» من اسم الجزائري بوعلام صنصال. لقد حدث الأمر كي يغطي خبر خروج صاحب «2084» (دار غاليمار ـ حازت الجائزة الكبرى للأكاديمية الفرنسية) خبر وصول الأسماء الأربعة إلى المرحلة النهائية للجائزة. لقد كان ذلك الإعلام يتحدث عن احتمالات الأسماء الأخرى، في حين ظلّ النقاش حول صاحب «القرية الألمانية» مفروغاً منه. لا يمكن هنا تجاوز حالة التعميم التي صاحبت صدور «2084» ليصبح اسمها ثابتاً على مختلف الأشكال الإعلامية، في حين ظهر كاتب العمل كما لو أن المسألة ليست في باله ولا يسعى إليها. إذا قمنا بمراجعة بسيطة، سنرى بداية الانطلاق من هنا: «لم أقرأ «خضوع»، كُنت مشغولاً بوضع اللمسات الأخيرة لروايتي»، قال، مضيفاً «أنا معتاد على كافة أشكال النقد في بلدي». بهذه النبرة المتعالية، جاء رد الجزائري الفرنسي بوعلام صنصال على سؤال مُلحق الكُتب في جريدة «لو موند» له حول تعليق طويل للفرنسي ميشال ويلبيك على عمل صنصال الجديد «2084 ــ نهاية العالم». لكن ما قاله ويلبيك في أحد أكثر برامج القناة الفرنسية الثانية مُشاهدة، (سجّلت الحلقة أكثر من ربع مليون مُشاهدة على موقعها في اليوتيوب)، لم يكن نقداً، بل جاء على هيئة ابتهاج وتأكيد على صدق النبوءة التي كان قد أعلنها في روايته «خضوع»، إضافة إلى أنّها أتت على لسان رواية لكاتب قادم من العالم الإسلامي وهي تدعم فكرة «خضوع» ورؤيتها في نظرية «أسلمة أوروبا». نتذكر هنا رواية ويلبيك وهو يفترض «خضوع» فرنسا وتحولها إلى بلد إسلامي بعد نجاح زعيم جماعة أصولية في الوصول إلى «الإليزيه» عام 2022، وتفوقه في الانتخابات الرئاسية إثر تحالف اليسار مع اليمين عبر «الحزب الاشتراكي» وحزب «الاتحاد من أجل حراك شعبي» بهدف عرقلة وصول مارين لوبين إلى رئاسة البلد وهي زعيمة «الجبهة الوطنية»، المتطرفة في عنصريتها تجاه كل ما هو غير فرنسي. لكن هل نصدق أن صنصال لم يقرأ رواية أتى عمله على هيئتها وإن مع اختلاف الزمن. هو كان قد اعترف بأنها جاءت على نسق رواية «1984» لجورج أورويل ونبرتها المتخيلة المتوقعة لأحداث في زمن قادم.
يلعب على رهاب الإسلام ويعززه في روايته «2084»
لقد حصل كل هذا في توقيت ملاصق لافتتاح «الموسم الأدبي» في فرنسا وظهور «2084» على واجهة المكتبات إلى جوار نحو 589 إصداراً. يمكننا من هنا استعادة كلام ويلبيك الذي كان قد شغل بلد الحرية عندما قال «إن الإسلام دين أحمق». لكن كلامه في البرنامج إياه جاء على هيئة ترويج لرواية صنصال ولا يمكن تقديره بثمن وهو يأتي عبر شخصية هي الأكثر إثارة للجدل في فرنسا والأكثر قراءة ومبيعاً، رغم ظهوره النادر على شاشات الميديا الفرنسية وكراهية كُثر لشخصيته. حدث هذا مع صدور قوائم الأسماء المُرشحة لجوائز فرنسا الأدبية لتتحول «2084» ظاهرة على جميع اللوائح. لم يحدث هذا من قبل في التاريخ الأدبي في بلد فولتير. أيمكننا الاعتماد على فكرة الرهاب المُسيطرة على القرّاء هناك تجاه كل ما هو إسلامي؟
لقد سار صنصال على هذا الخط وكتب روايته «2084» عن مستقبل على هيئة مجتمع «آبيستان» الفاقد لمعنى التعدد والذي وقع تحت سلطة فردية مكرسة بشخص «آبي» الحاكم غير الظاهر على نحو حقيقي. من هنا تأتي حالة وقوع الجميع تحت ثقل وهيمنة الغيبيات والرضوخ لها مع التجهيز الدائم لمواجهة عدو لا يعرفه أحد. وهكذا تنمو فكرة «الخضوع» مع انتشار الفتاوى والذبح بالشبهة وتحول السلطة بين أيدي مجموعات من السفلة والغوغائيين وأفراد المخابرات.
على هذا يظهر عمل صنصال متسقاً مع حالة نقد الإسلام بصفة دائمة انطلاقاً من اعتماده على جماعة «رهاب الإسلام»، بدءاً من صاحب كتاب «الانتحار الفرنسي» إيريك زيمور، وآلان فينكلكروت (الهوية الشقية) وليس انتهاء ببرنار هنري ليفي المعروف بخبله ونفوذه في آن واحد، وبصداقته بميشال ويلبيك وكانا قد أصدرا قبل ثلاث سنوات كتاباً مشتركاً بعنوان «أعداء الرأي العام». وكل هؤلاء وقفوا إلى جوار صنصال عندما رفض مقاطعة معرض «باريس الدولي للكتاب» عام 2008 حين كان يحتفي بإسرائيل، كما وقفوا إلى جواره عندما قرر زيارة القدس وتعرض لانتقادات واسعة. مناسبة يتذكرها الصحافي ميشال غيرن في مقالة كتبها أخيراً في «لو موند»، منوهاً بأن صنصال «رجل حر ويجب أن يُقرأ». لكنّ أين كلام صنصال من مسألة الحديث عن ماكينة القتل الصهيونية وما تفعله؟ يذهب صنصال إلى القدس المُحتلة، لا يكتفي بالنشاط الثقافي الذي دُعي إليه، يزور حائط المبكى، ويبكي، آملاً الحصول على جائزة! يخسر واحدة منها في انتظار الإعلان عن الأخريات!