يصعب تخيّل أنّ الممثل المصري ممدوح عبد العليم (1956 ــ 2016) كان يدرك حجم المحبة التي يحظى بها في قلوب متابعيه داخل مصر وخارجها. محبة لم يكن سهلاً قياسها في حياته، وتجلّت بوضوح بعد وفاته المفاجئة مساء الثلاثاء الماضي. ويفترض أن تستقبل أسرة الراحل العزاء مساء اليوم في مسجد «عمر مكرم» في ميدان التحرير في القاهرة، لتتواصل على مدار أربعة أيّام مظاهر الحزن على رحيل ممثل زاد نجمه لمعاناً وبريقاً بعد الرحيل.
عبد العليم الذي نعاه كثيرون باعتباره ممثلاً لجيلهم على الشاشات المصرية، ابتعد طويلاً عن الأضواء حتى وهو في عزّ نجوميته. لم يمتلك هاتفاً جوّالاً إلا قبل ثلاثة أعوام تقريباً. ورغم زواجه بإعلامية معروفة هي شافكي المنيري، ظل عازفاً عن استغلال شهرته وعلاقات زوجته للحصول على المزيد من الأدوار. متخرج كلية العلوم السياسية عام 1980، دخل الوسط الفني بهدوء وصعد لأدوار البطولة بتأنٍّ، واختفى بصمت كلّما شعر بأنّ المتاح لا يليق بأفكاره، ورحل من دون سابق إنذار.
رافق المنتج محمد مختار عبد العليم مساء الثلاثاء إلى صالة الألعاب الرياضية في نادي «الجزيرة»، وتركه في «أحسن صحة» قبل نحو عشر دقائق من وفاته بسبب أزمة قلبية حادة لم تمهله طويلاً. على الأثر، بدأ طوفان التعليقات والرثاء عبر مواقع التواصل الاجتماعي والبرامج التلفزيونية. واللافت أنّه رغم قلّة أدوار عبد العليم مقارنة بأبناء جيله، برز اختلاف بين المحبين حول الأدوار التي تمثلهم.
برز في شخصيات «علي البدري»، و«رامي قشوع»، و«حمص»، «رفيع بيه العزايزي»

ظن بعضهم أنّ شخصية «علي البدري» التي اشتهر بها الراحل في خماسية «ليالي الحلمية» (إخراج إسماعيل عبد الحافظ) ستكون الغالبة، لكنّ أدواراً أخرى برزت إلى الواجهة مثل «رفيع بيه العزايزي» في مسلسل «الضوء الشارد» (إخراج مجدي أبو عميرة)، و«حمص» و«رامي قشوع» في فيلمي «بطل من ورق» (1988 ــ إخراج نادر جلال) و«سمع هس» (1991 ــ إخراج).
بدأ عبد العليم مشواره الاحترافي بمسلسل «أصيلة» عام 1980 فور تخرجه في الجامعة، لكن قبل ذلك بسنوات كان يظهر في برامج الأطفال في التلفزيون المصري وشارك فتىً في مسلسل خيال علمي بعنوان «مغامرات وليد وراندا في الفضاء» (تأليف سميحة عبد الرحمن، إخراج محمد الأسود)، وفي مسلسل «الجنة العذراء» (1970 ــ إخراج نور الدمرداش).
بعد «أصيلة»، شارك الفنان الراحل عام 1984 في المسلسل المهمّ «ليلة القبض على فاطمة» (إخراج محمد فاضل) أمام فردوس عبد الحميد. قبل ذلك بعام، حقق خطوة عريضة إلى الأمام من خلال فيلم «العذراء والشعر الأبيض» أمام الممثلة الصاعدة في ذلك الوقت شيريهان. علماً بأنّ الشريط أساساً كان من بطولة نبيلة عبيد ومحمود عبد العزيز. على مدار الأعوام الـ 17 التي أمضاها في السينما، قدّم ممدوح العديد من الأدوار البارزة، من بينها شخصية الضابط الرافض للفساد والخيانة في فيلم «كتيبة الإعدام» (1989 ــ إخراج عاطف الطيب). وتداول روّاد السوشال ميديا على نطاق واسع صورة من المشهد الأخير من الفيلم، ويظهر فيها أبطال الفيلم الأربعة في قفص حديدي. المفارقة أنّ الأربعة رحلوا بنفس ترتيب وقفتهم في المشهد (من اليمين): شوقي شامخ، ثم معالي زايد، ثم نور الشريف، وأخيراً ممدوح عبد العليم.
التقى ممدوح عبد العليم مع محمد خان في فيلمين مهمين، هما: «مشوار عمر» (1986)، و«سوبر ماركت» (1990)، فيما يعد فيلمه مع شريف عرفة وليلى علوي «سمع هس» أبرز أفلامه على الإطلاق، لكن أكثرها انتشاراً على شاشات التلفزيون هو «بطل من ورق» وشخصيته الفريدة «رامي قشوع». واللافت أيضاً أنّ هذا الشريط لم يحقق إيرادات كبيرة عند طرحه في شباك التذاكر، لكنّه تحوّل تدريجاً إلى عمل كلاسيكي على الشاشة الصغيرة. ومن السينما إلى الدراما التي كانت المجال الأرحب لعبد العليم، وخصوصاً شخصية «علي البدري» التي قدّمها في الأجزاء من الثاني إلى الخامس في «ليالي الحلمية»، واعتبره الكثير من الشباب المصري ممثلّهم اجتماعياً وسياسياً. كذلك، برع ممدوح عبد العليم في شخصية «رفيع بيه العزايزي» في مسلسل «الضوء الشارد»، وفي مسلسل «خالتي صفية والدير» أمام بوسي عن رواية لبهاء طاهر. على لائحة المسلسلات التي قدّمها هناك: «الطارق» و«الفريسة والصياد» و«هز الهلال يا سيد»، قبل أن ينهي مشواره بشخصية رئيسية وأساسية في مسلسل «السيّدة الأولى» (إخراج محمد بكير) أمام غادة عبد الرازق قبل عامين. الممثلة المصرية لم تجد أفضل من عبد العليم لأداء شخصية رئيس الجمهورية المنتخب بعد الثورة للمرّة الأولى في الدراما المصرية.