«ليوباردي» (2014 ــ 137د) لماريو مارتوني هو الفيلم الذي افتتح تظاهرة «سينما البندقية في بيروت» التي تنظمها «جمعية متروبوليس» و«المركز الثقافي الإيطالي» بالشراكة مع «مهرجان البندقية السينمائي». في الشريط الذي نافس على «أسد» البندقية، يستعيد مارتوني سيرة الشاعر الأكثر شهرة في إيطاليا بعد دانتي. جياكومو ليوباردي (١٧٩٨ - ١٨٣٧) من معاصري بايرون وشيلي وكيتس رواد الحركة الرومنطيقية الانكليزية.
يعتمد المخرج في سرده على ما يشبه البناء التفكيكي. في البداية، يعرض لنا طفولة ليوباردي الأشبه بالمثالية بين أخيه وأخته في كنف أبيه الكونت مونالدو الذي كان يملك مكتبة ضخمة كان ليوباردي يدرس فيها يومياً. هنا، تعرّف إلى كلاسيكيات الأدب والفلسفة، ودرس الفيلولوجيا وتعلّم اللاتينية، واليونانية والعبرية. المكتبة ذاتها صوِّرت فيها مشاهد الفيلم بعد حصول المخرج على إذن من ورثة ليوباردي. الطفولة هي الفترة الوحيدة التي يستذكرها الشاعر بحنين في قصيدة Le Ricordanze، وهي ذكراه اليتيمة عن الشعور بالسعادة التي لم يعرفها في حياته البالغة التي أنهكها مرضه المزمن وهشاشة جسده. لكن المكتبة ذاتها التي كانت نافذة ليوباردي على العالم، كانت تتحول إلى سجن حين تنكشف لنا شخصية الأب المحافظ والمسيطر جراء تعلقه المرضي بابنه.
إثر مراسلاته مع الكاتب بيترو جيوردانو الذي هو أول من قرأ قصائده وأعجب بها، تبنى ليوباردي أفكار الحركة التنويرية وكان يحلم بالخروج عن سيطرة الأب والكنيسة واسكتشاف روما وفلورنسا، مركز النشاط الأدبي وقتها. ينجح ليوباردي عام ١٨٢٢ في الذهاب إلى روما بعد فشل محاولته الأولى عام ١٨١٧ حيث احتجزه أبوه قسراً في المنزل العائلي. ورغم الحرية التي يستكشفها، إلا أنه يظل مقيداً داخل جسده مع آلام جسدية ونفسية ومشاعر السوداوية والعدمية التي نلمسها في قصائده. يصوّر الفيلم الصداقة الحميمية التي جمعت ليوباردي بصديقه أنطونيو رانييري الذي سكن معه في فلورنسا حتى موته في نابولي عام ١٨٣٧. تبدو هوية ليوباردي الجنسية ملتبسة، فكأنما يعيش من خلال حياة أنطونيو العاطفية والجنسية في حين أنّ حياته الخاصة هي شبه معدومة كما يصورها الفيلم، بسبب العائق الذي يشكله جسده الضعيف والمحدودب.

الختام مع «يوم خاص»
أحد أشهر أفلام إيتوري سكولا

حتى أنه وأنطونيو يتشاركان حب المرأة نفسها التي تقيم علاقة جنسية مع أنطونيو في حين تبدي إعجابها بفكر ليوباردي الذي يظل في دور المراقب المتألم بصمت.
لكن أيضاً هناك تلميح إلى المثلية الجنسية في بعض المشاهد التي تجمع أنطونيو وليوباردي. لعل المشاهد الأخيرة هي الأفضل لناحية جمالية الصورة، إذ يخرج المخرج على كلاسيكية السرد ويخلق عالماً بصرياً مبتكراً يتماشى مع النص الشعري من دون أن يجسده بطريقة مباشرة. أما الإيقاع، فيتكثف تدريجاً تزامناً مع توغل المخرج في عالم ليوباردي وصراعه مع الألم وعبثية الوجود من دون أن يصل بنا إلى خلاصة أو بورتريه مكتمل للشاعر. إذ يبقى غامضاً حتى اللحظة الأخيرة كما عالمه الشعري الذي يدعو المشاهد إلى استكشافه، وتلك هي ميزة الشريط التي تبتعد به عن السرد التقليدي لأفلام السير.
أما الممثل إيليو جرمانو الذي نقل لنا شخصية ليوباردي بأدق التفاصيل، فحاز جائزة «باسينيتي» لأفضل ممثل في «مهرجان البندقية». أيضاً من الأفلام التي تنافست على جائزة «الدب الذهبي» في «البندقية» وعُرضت ضمن التظاهرة البيروتية فيلم «قلوب جائعة» (2014 ـ 109 د) للسافيريو كوستانزو. بعد ولادة طفلهما، تندلع الحرب النفسية بين الزوجين الشابين مينا وجود إثر العصاب الذي يستحكم بمينا والهواجس الغريبة التي تراودها حول طفلها. يتحول الأخير إلى أداة للصراع والتنازع بين الثنائي. تبدو مينا شبيهة بروز ماري بطلة «طفل روز ماري» (١٩٦٨) لرومان بولانسكي التي تصارع وهم أو حقيقة أن طفلها هو ابن الشيطان. أما «الأرواح السوداء» (2014 ـ 103 د ــ اليوم س:20:30) لفرانسيسكو مونزي الحائز جائزة «باسينيتي» لأفضل فيلم، فيصوّر المافيا الكاليبرية الإيطالية الشهيرة من خلال لوشيانو أحد أعضائها المتقاعدين. كذلك يعرض وثائقي «حساء الشيطان» (2014 ـ 78 د ـ اليوم س:22:15) لدافيد فيراريو. عبر صور الأرشيف التي تمتد على مدى مئة عام، يشرح فيراريو مفهوم التطور الصناعي في إيطاليا القرن العشرين. ومساء الأحد، يعرض «بيريز» (2014 ـ 94 د ـ 10/5 ـ س:20:30) الذي يستعيد فيه ادواردو دي أنجليس نوع الفيلم الأسود. ويختتم المهرجان بـ «يوم خاص» (1977 ـ 106 د ـ 11/5 ـ س: 20:30) من بطولة صوفيا لورين ومارشيلّلو ماستروياني ويعدّ أحد أشهر أفلام الإيطالي إيتوري سكولا (1931) الذي يملك في جعبته حوالى 40 فيلماً. وسيعرض العمل في نسخته المرممة التي حاز عنها جائزة أفضل فيلم مرمم في «مهرجان البندقية».

* «سينما البندقية في بيروت»: حتى 11 أيار (مايو) ـ «متروبوليس أمبير صوفيل» (الأشرفية) ـ للاستعلام: 01/204080 ـ ترجمة الأفلام متوافرة بالانكليزية