■ بدايةً نُبارك لكم العودة إلى حارة حريك وإعادة إعمار المبنى، بعدما تنقلتم بين أماكن عدّة إثر تدمير المقرّ القديم لتلفزيون «المنار» في حرب تموز 2006. ما هو سبب الإصرار على العودة إلى هذا المكان في النقطة نفسها؟العودة إلى مكان الانطلاق يختلط فيها التحدّي بالمشاعر الإنسانية والذكريات. في النهاية، هذا المكان موجود في وجدان الناس الذين أطلقوا هذه القناة.

وتعرفون أنّ إطلاق قناة تعبّر عن حركة إسلامية ومقاومة في آن واحد لم يكن بالأمر اليسير في ذلك الوقت، إذ كانت هناك صعوبات عدّة. تشكل العودة إلى هذا المكان نوعاً من الافتخار، إضافةً إلى نوعٍ من التحدي لجهة أنّنا عدنا إليه بعدما دمّره العدو. في هذا الأمر شيء من الصمود والانتصار.

■ هل كان هناك إصرار على العودة إلى المبنى نفسه؟
طبعاً. الصهيوني حاول إخراجنا ونحن أثبتنا له أنّه معتدٍ وأنّها ديارنا، والمعتدي لن ينتصر ولن يُكتب له النجاح. الثقافة القرآنية هي أساس ثقافتنا، وكل فكرنا وقناعاتنا وما نقوم به مستند إلى هذا الفكر. في الإطار عينه، طرأت مستجدات أمنية حين كنا في منطقة الأوزاعي (التهديد الأمني الذي تعرّضت له القناة)، ما أسهم في تعجيل العودة إلى مكاننا الأساسي والرئيسي. لقد تأسس هذا المكان على بُنى صالحة للإنتاج التلفزيوني، وكما تعلمون التلفزيون يحتاج إلى بيئة خاصة، ونحن حاولنا قدر الإمكان صناعة هذه البيئة في هذا المبنى الجديد وتوفيرها بنحو تام.

■ هذا يقودنا إلى سؤالنا الآتي: إلى أي مدى يمكن القول إنّ المبنى الجديد مهيّأ للمرحلة المقبلة؟
بُني هذا المكان لتوفير كل متطلبات التلفزيون المستقبلية. لكن في الوقت نفسه، صناعة التلفزيون أمام تحدٍّ دائم، وتعلمون حجم المتغيّرات التكنولوجية الهائل في هذا المجال. كذلك، يجب على الشاشة الصغيرة أن تواكب العصر، حتى لا تُصبح من الماضي، ولا سيّما أنّ هناك عمراً افتراضياً أمامها، وإذا لم تستطع الاندماج أو التواؤم مع وسائل التواصل الحديث، أعتقد أنّ عمرها سيصبح أقصر. لذلك، قد أُسأل ما إذا كان هناك تغيير دائم في وظائف التلفزيون، فأجيب بنعم. هناك بالتأكيد وظائف رئيسية كلاسيكية، لكننا اليوم نذهب إلى عصرٍ أكثر سرعة، خصوصاً في ما يتعلّق بطريقة الخطاب والمضمون، والمدة الزمنية للمنتج. حتى أنّ نظام حياة الناس أصبح أسرع. نحن لا نريد تغيير أفكار الناس، بل القوالب التي تقدّم من خلالها هذه الافكار.

مباشرة أكبر في التعاطي مع التطوّرات السياسية والملفات في المنطقة



■ إذاً، هل سنرى استخداماً أكبر للغة التخاطب الافتراضي ومواقع التواصل الاجتماعي في برامج الدورة الجديدة على «المنار»؟
من المفروض أن تأخذ أغلب البرامج وسائل التواصل الاجتماعي في الاعتبار، كذلفك فإنّها ستحرص على الحضور عبرها من خلال صفحاتها الخاصة والتفاعل مع المتابعين. نحن ندرك حجم هذا العالم وأهميته اليوم. السيّد القائد علي الخامنئي حض على الانتباه للجبهة المجازية، وهذا يدل على حكمة هذه القيادة وقراءتها العصرية. في المرحلة السابقة مثلاً، خرج على الهواء أكثر من هاشتاغ، وهذا ليس تفكيراً جديداً في «المنار»، بل هو مواكبة لمجريات العصر. أصبحت مواكبة هذا النوع من التطوّر فرضاً، وجزءاً أساسياً من العمل. نحن سنتابع الجمهور عبر مختلف وسائل التواصل الاجتماعي، وسيكون هناك تذكير بالأحداث المهمّة (سواء عبر تطبيق «المنار» أو سواه من وسائل). بعضهم يلومنا على وجودنا الخجول على السوشال ميديا، وهذا مردّه إلى تعرّضنا يومياً تقريباً لهجمات إلكترونية، ما يؤدي إلى إغلاق صفحاتنا الافتراضية، وهذا جزء من المعركة اليومية. لكن هذا لا يمنع أن نكون حاضرين ومستمرين على هذا المستوى.

■ ما هو شعار المرحلة المقبلة؟
في الحملة الحالية، نحن نعمل على الترويج لشعار «إشراقة جديدة»، لكن الشعار الذي سيواكب كل المرحلة هو «وضوح الرؤية»، وهو مرتبط بمستويات عدّة. أوّلاً، هناك المستوى السياسي، نسبةً إلى ما يجري في المنطقة ككل. المنطقة تتجه نحو مزيد من الوضوح. فمن كان يؤدي أدواراً خلف الكواليس، أصبح يؤديها على خشبة المسرح. بالنسبة إلينا، أصبح الوضوح أعلى، وقد عبّر الأمين العام لحزب الله السيّد حسن نصرالله عن هذا في السقف السياسي بوضوح أيضاً. هذا إذاً اتجاهنا سياسياً، إضافة إلى الإعلام المواكب له. أما في الشق الداخلي، فإذا تحدّثنا عن «المنار» حصراً، فنحن أمام تغيير في النظرة إلى دور المؤسسة الإعلامية، والهيكلية الإدارية التي تملكها والبنية التي تحويها، فنحن واكبنا شعار «وضوح الرؤية» بشعارَيْن داخليَّيْن يخدمانه، هما: الترشيق والتركيز. الترشيق بمعنى أن تكون المؤسسة أرشق في أدائها. «المنار» مؤسسة كلاسيكية في أدائها، وحِملها أثقل من غيرها. من هنا، نحاول أن تكون حركتها أخف وأسرع، فتواكب الأحداث بطريقة أسرع. هناك في العالم العربي اليوم جبهات مفتوحة في العراق واليمن وسوريا، لذلك وضعنا نقطة على السطر في موضوع أن تكون القناة متحفظة في تغطيتها لتلك الأحداث. وإذا ما سألتني كيف نغطي، هنا يكون النقاش. كانت «المنار» في السابق أثقل في ذهابها إلى مواكبة الأحداث، أما اليوم فيجب عليها أن تكون أكثر رشاقةً في ذلك. أما التركيز، فهو لناحية أنّني لا أريد أن أضع نفسي أمام مناقشة كل شيء. لدي قضايا وملفات رئيسية أغطيها بكثافة، وهي المناطق الحامية والساخنة. لذلك، يخدمنا هذا الشعار ويقودنا إلى وضوح في الرؤية والأسلوب في العمل. وكنّا قد باشرنا في تطبيق هذه القوانين الرئيسية في عملنا داخل المؤسسة، وهذا يظهر لمن يتابع «المنار». في تغطية الحدث السوري مثلاً، لدينا وجود في كل المحافظات وفي مناطق لم نكن موجودين فيها سابقاً. بوضوح، لقد انتهى الوقت الذي كانت فيه «المنار» متحفظة نوعاً ما عن قيامها بدورها كمؤسسة إعلامية يجب أن تواكب الحدث وتغطيته.

■ قبل الدخول في الحديث عن شبكة البرامج الجديدة، ما هي البرامج القديمة التي ستبقى؟
قبل أي شيء، لا بد من الإشارة إلى أنّنا منذ عامٍ تقريباً كنّا قد أوقفنا مجموعة من البرامج (ستة تقريباً). لقد قمنا بنوعٍ من الدراسة حول البرامج والقنوات التلفزيونية في لبنان وخارجه أيضاً، وتبيّن أنّ من أسباب ثقل «المنار» والكلاسيكية العالية فيها هو ثقل البرامج وحجمها. عدد البرامج كبير، وهذا ما يثقل كاهل البرمجة ويمنعها من المرونة والحركة، والذهاب نحو مواكبة التطوّرات. لذلك، حين تسلّمت منصبي العام الماضي، وأوقفت برامج عدّة، وجدت أن هذا الأمر أراح البرمجة بعض الشيء وأصبحت أكثر رشاقة. نحن ننطلق من قاعدة أن كل ساعة تلفزيونية (50 دقيقة) يجب أن يكون فيها عشر دقائق متعلقة بـ«بهارات الشاشة» (الترويجات والـ«فيلرز» وغيرها)، وإلا أصبحت القناة رتيبة وثقيلة على كاهل المشاهد. هذا الأمر يحتاج إلى عقلٍ إعلامي مرن يرى الأمور بشكلها الحقيقي والمنطقي، وهو أمرٌ لا ينقصنا في «المنار». نحن نرى الساحة بأكملها، لذلك من السيّئ أن نراوح مكاننا، بل يجب أن نقدم على خطوات «ثورية» بعض الشيء. وهو ما فعلناه حقاً. نراعي في البرمجة الجديدة عدم إثقالها بالعديد من البرامج. لديّ مخطط برمجة يحدّد حجم كل البرامج التي يجب أن تخرج على الشاشة، بما فيها المادة الاجتماعية والدينية. لقد قسّمنا كل هذا بدقة، وينبغي أن يكون هناك التزام بهذه المعايير. هنا تجدر الإشارة إلى أنّ الأساس هو للبرامج الإخبارية، وهي توازي أكثر من النصف، وإذا أضفنا إليها الشق السياسي، تصبح بمقدار 60 في المئة من خطة البرمجة ككل. نحن دمجنا السياسي والإخباري داخل المحطة لأجل ذلك، إذ أصبحت لدينا أخبار وبرامج مرتبطة بالفكرة نفسها، وهو أسلوب مركّز ويخدم فكرتنا عن التركيز.
أطمح إلى الوصول إلى حجم كبير من التركيز في وجهتنا. مثلاً، كنت أوصي الإخوة حين كانوا يغطون أخبار العراق مباشرةً بإعداد وثائقيات عن البلد، أي أنّني في قلب الأزمة لا أهتم بالأخبار الآنية. حين نكون في العراق، يمكننا القيام بعددٍ هائلٍ من الوثائقيات حول الحضارة في العراق لنُظهر للمشاهد ماهية هذا البلد الذي تحصل فيه هذه الأزمات، ونطلعه على حضارته، وتاريخه، ومكوّناته... هذا هو طموحي الكبير. وللأمانة هذا هو توجّهي، وهذا أمر يُطبّق حالياً، كما في برنامج «على تماس» الجديد مثلاً.

■ اسم البرنامج الجديد «على تماس»؟ ألا يتشابه مع تسمية برامج أخرى أُطلقت سابقاً عبر قنوات أخرى؟
كانت تسمية البرنامج أساساً «على خط النار»، وبدأ العمل عليه وإنتاجه، وهو يحتاج إلى سفر وجهد ووقت. بعدها، فوجئنا بأنّ قناةً أخرى استعملت التسمية نفسها تقريباً، فارتأينا تغيير الاسم إلى «نبض الأرض». لكنّنا شعرنا بأنّ الاسم لن يشبه مضمون البرنامج وفكرته، فوصلنا أخيراً إلى «على تماس». هنا المشاهد على تماس مع الحدث، ومع التحقيق، ومع الجو العام. في الحقيقة، بالنسبة إلى موضوع الأسماء، نحن نتناقش كثيراً حولها، حتى مثلاً «نهار جديد» (البرنامج الصباحي الجديد)، وجدنا أنّ هناك عدداً كبيراً من البرامج التي تحمل أسماء مشابهة. نحن لا نريد أن نعيد تسميات كانت موجودة لدينا أو لدى الآخرين. بعض المحطات لا تلتفت إلى هذا الأمر أبداً. لننظر إلى بعض المحطات الفضائية الخليجية المعروفة التي تسمّي برنامجاً وتطلقه وهو موجود على محطة أخرى. نحن نطلب من المعدين أن يتأكدوا عبر الإنترنت من أنّ اسم البرنامج غير مأخوذ، لأنّنا ضنينون على اختيار أسماء من دون تقليد أحد، وتعبّر عن هوية البرامج الجديدة.

«هنا بقينا» يتناول القرى الجنوبية التي صمدت في مواجهة الاحتلال والعدوان


■ إذاً ما هي البرامج التي ستبقى؟
جزء أساسي من البرمجة الحالية سيبقى. «حديث الساعة» باقٍ (تقديم عماد مرمل)، وكذلك «بين قوسين» (تقديم بتول أيّوب)، و«ماذا بعد» (تقديم الإعلامي المصري عمرو ناصف)، كذلك فإنّ «هنا دمشق» (تقديم عامر أبو فراج) سيبقى الآن. هناك بعض البرامج التي ستتوقف في شهر رمضان، فيما بعضها لن يعود بعده. لكن النقاش هنا سيكون في كيفية تطوير هذه البرامج. ويشكّل شهر الصوم فرصة للتوصّل إلى أفكار جديدة فيها.

■ خلال متابعة إعلاناتكم المتعلقة بدورة البرامج الجديدة، يلاحظ المشاهد أنّ الإعلان صوِّر بتقنية عالية الدقة (HD)، ويحتوي على إضاءة أقوى، وبعيد عن الفكرة السائدة حول أنّكم قناة «كئيبة»، خصوصاً لناحية الصورة.
صحيح. نريد لصورة «المنار» أن تكون أكثر وضوحاً، وإضاءةً، وأكثر شفافية، وأنا أصر على الشفافية. في ما يتعلّق بالغرافيكس، هناك مفهوم الشفافية، وهو أمرٌ شديد الجمال. لقد كنت حاضراً في كل تفاصيل بناء الاستوديو الجديد، لأنّني أردته أن يخرج كما رُسم حين وُضِعت مخططاته التنفيذية. في هذا الصدد، يجب الإشارة إلى الجهود الهائلة التي قام بها كل الفريق التقني اللبناني مئة في المئة الذي أنشأ هذا الاستوديو مع وجود فريق استشاري ذي خبرة في عالم التلفزيون. وهي خطوة للأمام ضمن إمكانات التلفزيون التي تُعَدّ محدودة إلى حدٍّ ما، خصوصاً أنّنا لا نمتلك موازنات مفتوحة. شباب «المنار» أسّسوا تلفزيونات واستوديوات في مصر والعراق وغيرهما من البلدان.
لقد خطونا خطوة كبيرة إلى الأمام، لأنّ الاستوديو بين أيدينا قائم على الإضاءة، ويمكننا القول إنّنا نمتلك أفضل نظام إضاءة داخل استوديو في لبنان. هذا يعني أنّنا أمام طريقة إدارة وعمل مختلفتين، إضافة إلى مسؤوليات أكبر، وتعب وشاشات أكثر، فضلاً عن المزيد من التحريك الـCGI (صور منشأة بالكمبيوتر ــ computer-generated imagery). لم يعد هناك مكان لمصوّر أو مخرج نائم، الجميع عليه أن يبقى مستيقظاً، ومتيقظاً، ومتنبهاً لما يحدث حوله. هذه المسألة ولّدت عبئاً أكبر على القوّة التشغيلية بالتأكيد.

■ هل زاد عدد الموظفين لمواكبة التجديدات؟
الزيادة حصلت، لكن ليس من خارج «المنار». منذ أن توليت منصبي وحتى اليوم أغلقت باب التوظيف، لأنّني مقتنع بأن هناك عدداً كافياً من الموظفين داخل المؤسسة للقيام بجميع المهمات. قوّمنا الموظفين، وأجرينا مناقلات داخلية. هناك من كان حجم عمله صغيراً، وأصبح اليوم يقوم بوظيفة رئيسية. أعطينا هؤلاء أدواراً أكبر، وحققوا نجاحات واضحة. أردت الاستفادة قدر الإمكان من الكادر الموجود، وكان لزاماً عليّ أن أغلق الأبواب لتحقيق أهداف هذه العملية الداخلية.

■ هل هذا يقودنا مثلاً إلى نقل منار صباغ من الأخبار إلى برنامج رئيسي؟
هذه المناقلات حدثت في مناصب إدارية أيضاً، لا على الشاشة فحسب، انطلاقاً من أنّه يجب على «المنار» مواكبة الأحداث الساخنة في جميع الساحات. كانت هناك فكرة برنامج رئيسي شبه يومي (من الاثنين إلى الخميس) هو «بانوراما اليوم». هذا البرنامج يعتمد في التقديم على الكادر الموجود في الأخبار، وستقدّمه منار صباغ، إضافة إلى شخصٍ آخر، ونحن نجري اختبارات لتحديد هوية هذا الشخص. لكن حالياً منار جاهزة لتقديم هذا البرنامج. هي تشبهه، كذلك فإنّها مراسلة وصحافية نشيطة تستطيع أن تقدّمه وتنجح فيه. فالموضوع ليس مجرّد تقديم، بل هو إعداد أيضاً. يجب على المذيع المشاركة في إعداد كل خطوات برنامجه كي يفهم ماذا يحدث ولماذا.

■ بالعودة إلى البرامج، ألن يشعر المشاهد بأنّ البرامج القديمة التي ستبقى بشكلها القديم مع الديكور الجديد أو الشكل الجديد ستكون نوعاً ما «غريبةً» على الشاشة؟
المشاهد سيشعر بالفرق، فالظروف اليوم ضمن الإمكانات المتاحة لا تسمح لنا بالقيام بتغيير كامل. لكن الشاشة، والترويجات تغيرت بنحو كامل، وهذا سيجعل التغيير واضحاً وملحوظاً. فالبرامج غير السياسية ستخرج من استوديو مختلف عن استوديو البرامج السياسية (مركزها الاستوديو الرئيسي). نحن لا نستطيع أن نصوّر جميع البرامج في استوديو واحد، هذا صعب فنياً. لدينا البث المباشر، والتغطيات، والمواكبات، ومواجز الأخبار، ما يعني أنّنا لا نستطيع تسجيل حلقات. لذلك، نمتلك استوديوان نصّور فيهما، حتى إنّنا نستعين باستوديوات خارجية، كما تفعل غالبية المحطات الكبرى. نحن نستأجر استوديو لتصوير برنامجنا الطبي «صحتك نعمة». بالمناسبة، هذا البرنامج ناجح وسيكمل معنا في دورة البرامج القادمة، وهو يتماهى مع الشكل الجديد للقناة.
هناك رؤية جديدة حالياً في تلفزيون «المنار»: رؤية أكثر اهتماماً بقضايا الناس والجمهور، إذ يجب تلبية احتياجاتهم ضمن معاييرنا وأدبيّاتنا وخطوط الإنتاج التي نعتمدها. أجرينا قراءة أضفناها إلى المخطط التوجيهي الشامل للمؤسسة، في كيفية توجّه التلفزيون للناس في ظل وجود مواقع التواصل الاجتماعي. وتوصّلنا إلى أنّ على التلفزيون أن يكون حيوياً وأكثر تفاعلاً. لذلك، أصررنا على أن يكون لدينا برنامج صباحي (كان موجوداً سابقاً تحت اسم «صباح المنار»). لكن هذه المرّة ارتأينا تقديمه بطريقة جديدة تحت اسم «نهار جديد». يبدأ البرنامج مع نشرة أخبار عند السابعة والنصف صباحاً، ويستمر حتى الساعة العاشرة، ويقدّم بشكل غير كلاسيكي نهائياً. تقدّم النشرة ضمن جو البرنامج وبيئته، إذ سيظهر مقدّم الأخبار بجوار أحد مقدّمي البرنامج ليربطوا المواضيع بعضها ببعض، ويجري التعليق عليها وسواها من التقارير، كحركة السير، والطقس.
الفكرة الأساسية خلف هذا البرنامج هي أن يعود تلفزيون «المنار» ليستيقظ في الصباح ويتحدّث مع الناس. لدي نظرية تفيد بأنّه إذا ما نقص جمهور «المنار»، فإنّ السبب يعود إلى أنّك أنت ابتعدت عن هذا الجمهور، وليس العكس. لذلك، عليك الذهاب إلى الجمهور الذي يملك الريموت كنترول، وأن ترغّبه في العودة إليك. هذه مسؤولية «المنار» في مخاطبة جمهورها، لذلك قلنا إنّ علينا الاستيقاظ في الصباح لنتحدث مع الناس، ونخبرهم عن أسعار الغاز وأسعار السوق وغيرهما.
هنا، نتحدّث عن حياة الناس اليومية، عن مشاكل الطرقات، والكهرباء، إضافة إلى فقرة لفرص العمل يتواصل من خلالها المشاهد مع المؤسسات بغرض الحصول على وظيفة. كل ذلك، تضاف إليه فقرة «منبر خارجي» العبارة عن منبر خارج القناة يعبّر المواطن من خلاله عن رأيه في الأحداث. ستعود شاشة «المنار» بهذه الطريقة إلى الحيوية المفترض وجودها في المؤسسات الإعلامية المرئية، وهو دورنا الطبيعي في تلبية تطلّعات جمهورنا الذي نعيش وإيّاه في وطنٍ واحد. لذلك، علينا الإضاءة على التحدّيات التي نواجهها سوياً. هذا البرنامج سيكون مسؤولية الإعلامي ضياء أبو طعّام الذي اختير نظراً إلى كفاءته العالية. البرنامج ثقيل جداً ومتعب، كذلك فإنّه يومي، وفقراته كثيرة، وفريقه كبير كذلك.
على لائحة البرامج الجديدة، هناك أيضاً «على تماس» لأيمن زغيب. سيعتمد نظام الوثائقي، ويتحدث في كل حلقة عن ملف معيّن، على أن يُعرَض الفيلم المصوّر، قبل مناقشة المحتوى في حلقة لاحقة بحضور خبراء حقيقيين. مثلاً، إذا عُرضت الحلقة يوم الأربعاء، سيكون النقاش يوم السبت الذي يليه. في حلقة المناقشة، لا تُعاد الحلقة السابقة، بل تُقدّم توليفةً مشهدية لما سبق عرضه في الحلقة السابقة. هذا البرنامج جديد، كذلك جوّه وفكرته جديدان. أنا لم أرد تحميل «المنار» عبء إنتاج الوثائقيات وإرباك المؤسسة بها، لذلك اقترحت على عدد من متخرّجي هذه المؤسسة والعاملين فيها أن يُنشئوا شركات إنتاج صغيرة خاصة بهم لإنتاج الوثائقيات، لنقوم نحن لاحقاً بشرائها منهم. وقد كان هذا التوجه موجوداً في القناة منذ أيّام المدير السابق عبدالله قصير الذي أرسى هذا التوجه. أكثر من ذلك، حتى إنّ الصحافيين والإعلاميين العاملين في القناة الذين لا يمتلكون المقدرة على إنتاج وثائقي متكامل، كنت أوافق على تصويرهم لفيديوات قصيرة (20 دقيقة مثلاً) لتُعرض بعد ذلك.
ومن بين البرامج الجديدة، هناك «هنا بقينا»، وهو برنامج وثائقي لا تتجاوز مدّته 25 دقيقة، ويتناول القرى الجنوبية التي صمدت في مواجهة الاحتلال والعدوان الصهيوني، وهو من توقيع المصوّر والمخرج علي سلمان. يقرّب هذا البرنامج الناس من التلفزيون، كذلك يقرّب التلفزيون منهم، مصوّراً مقاومتهم وصمودهم أمام العدو بلغة مباشرة وواضحة. فهؤلاء الناس هم أهل «المنار»، وهم من أوصلوا هذه الشاشة إلى هذا المكان. لذلك، وقفت «المنار» مع هؤلاء الناس وواكبتهم، وشاركتهم آمالهم وطموحاتهم، وعلينا أن نواجه وإياهم التحديات نفسها اليوم. هنا، أوّد الإشارة إلى شيءٍ «خطير» للغاية. فقد يشتبه على البعض، وحتى في داخل المحطة، أنّنا نريد أن نقلد تجارب الآخرين الناجحة. أنا لا أريد ذلك أبداً، بل أريد صنع نموذجي الخاص، ولديّ الغنى الكبير من خلال أهلي وناسي. نحن تلفزيون المقاومة، وتلفزيون فلسطين، وتلفزيون الانتفاضة، وتلفزيون العرب والمسلمين. هذا هو تاريخ «المنار»، ونقطة تميّزي هنا، وساحتي وملعبي ههنا. وهناك أيضاً برنامج «زمان ورجال»، وهو عبارة عن سلسلة وثائقية تتطرّق إلى رجالات كان لهم مكانة في مواجهة الغازي والمحتل والمستعمر. وهو وثائقي يزخر بأسماء مهمّة ولها تأثيرها، نذكر منها محمد زغيب، وأدهم خنجر، وصالح العلي، ويوسف العظمة، وسلطان باشا الأطرش، وجول جمّال، وأحمد عبدالعزيز، ومصطفى حافظ، وعبد المنعم رياض، وسليمان خاطر، وغسان كنفاني، وفتحي الشقاقي، وخليل الوزير، وفرحات حشاد. مدّة البرنامج ساعة تلفزيونية، وقد أخذ منّا جهداً كبيراً من جميع النواحي. إلى جانب هذه البرنامج الجديدة، سيكون الجمهور على موعد مع برنامج «بلدي»، المتعلّق بالبلديات، ويطل على نشاطات البلدات ويُعنى بالشؤون المحلية.

■ هل أنتم متجهون نحو المنافسة؟
للحقيقة نحن لا نطرح المنافسة كشعار، بل نتجه نحو التميّز في الملفات التي نتناولها. فالمنافسة تضعنا وجهاً لوجه أمام برنامجٍ آخر أو قناةٍ أخرى. أريد تقديم مادّة بطريقة متميّزة. هنا، نضع هدفاً نريد الوصول إليه، وهو بحث عن أداء أفضل.

■ ما هي حصة «المنار» من الجمهور اللبناني؟
الأمور لم تعد تقاس هكذا. القياس ليس بحسب القناة، بل بحسب البرنامج. نحن في عصر ثورة هائلة في مجال الاتصالات، حيث لم يعد ممكناً أن تقول إن هذا الشخص منتمٍ إلى قناةٍ معيّنة بشكلٍ كامل، أو لبرمجة محددة بشكلٍ كامل. هناك ميل بالتأكيد، وهناك تفضيل، لكن حتى البرنامج الواحد ليس هناك ولاء كامل له. أحياناً يُشاهد المرء نصف حلقة، وهنا تكمن المهارة في تقديم مادة تهم هذا المشاهد كي يراها. إضافة إلى أنّ الـ Rating حالياً يقوم على البرنامج فقط.