من الأسماء البارزة التي تشارك في الدورة 12 من «بينالي الشارقة» المستمر حتى حزيران (يونيو) اللبنانية إيتل عدنان (1927). تحضر الفنانة والشاعرة عبر مجموعة من الأعمال تراوح فترات إنتاجها بين التسعينيات والسنة الماضية. ورغم المساحة الزمنية بين الأعمال، إلا أنّها تحفظ النفس ذاته الذي اختارت من خلاله عدنان التجريد أفقاً منذ منتصف القرن العشرين.
صاحبة «الست روز ماري» تقدم هنا أعمالاً مختلفة بين لوحات وسجاد، لكنها تجتمع عند الانشغالات نفسها الخاصة بالطبيعة. تجعل الألوان مدخلاً إلى عالم الطمأنينة الذي تنسجه عبر طبقات اللون. حركة الخط واللون في الأعمال، تبدو مدروسة قبل إنجازها. تشبه تقنية عدنان حياكة السجاد. من ينظر إلى السجاد عن قرب، لا يدرك مدى تناسق وتجانس الأشكال. بل يرى لطخات مختلفة من اللون لا يدرك عمقها وتناغمها إلا باتخاذ مسافة منها. هكذا فمن ينظر إلى أعمال عدنان، يتوجب عليه أن يفعل الأمر ذاته. يقترب في الأول ثم يتخذ مسافة مع اللوحة لاحقاً. القرب يوضح الخطوط والانحناءات، بينما البعد يحيل على مشهدية طبيعية تجعل الجبال والشمس والماء موضوعاً للوحات. يبدو أن الأفق أساسي في الأعمال. يحضر عمق الحقل profondeur de champ بشكل قوي في لوحات عدة كما لو أننا أمام عمل فوتوغرافي. عمق يحرر اللوحة من بعدها المسطح، ليجعلها فضاء رحباً تغمره الإضاءة.

تقدم في الشارقة أعمالاً مختلفة بين لوحات وسجاد

يحضر الأزرق والبني والبرتقالي والألوان التي تحيل على الحياة وعناصر الأرض: الماء والتربة والسماء. عناصر حضرت دوماً في أعمال التشكيلية، وتحيل حيناً على الخصوبة التي ترمز إليها الجبال ذات الانحناءات الشبيهة بالنهود، وأحياناً على حركة التجوال التي عاشتها طوال حياتها.
إنّها الحركة نفسها التي حملتها من بيروت إلى باريس في الخمسينيات من القرن الماضي وعمرها لا يتجاوز منتصف العشرين. هناك درست الفنون الجميلة، واقتربت من حركات الفن المعاصر، واكتشفت التجريد الذي اعتنقته فضاء تعبيرياً. طورته وتحول تدريجاً إلى شكل من أشكال مقاومة العنف الاستعماري لفرنسا في الجزائر والولايات المتحدة في حروبها في آسيا، بخاصة حرب فييتنام. لا يمكن للذي يتحدث عن الرواد في الثقافة العربية الحديثة، أن يغفل اسم إيتل عدنان كواحدة ممن شيدوا صرح الحداثة الفنية والأدبية وأسهموا في انتشار أشكال تعبيرية جديدة راهنت على المغاير. قدمت العديد من الأعمال الشعرية والسردية بالعربية والفرنسية والإنكليزية، ما يجعلها من التجارب النادرة في الأدب العالمي التي كتبت بلغات عدة. عاشت في أكثر من بلد، وكان رحيلها في الستينيات إلى الولايات المتحدة تجربة مهمة. قطعت البلاد من نيويورك إلى سان فرانسيسكو، وتعرفت عن كثب إلى الشباب الثائر حينها. هكذا التقت أنماط تعبير تثور على التقليدية، وتحنّ إلى الحرية عبر اختيار الحياة والإبداع على الهامش من المؤسسات.
تلقى أعمال عدنان إقبالاً كبيراً من النقاد الفنيين والمتاحف والمقتنين. كما تقدم تجربتها داخل المعاهد الفنية والجامعات، كنموذج للأعمال الرائدة في الأدب والفن العربيين.