تدّشن «المنار» العام الجديد، وتحديداً الشهر الحالي باحتفالية طال انتظارها. برنامج «جدل عربي» الذي تقدمه الإعلامية التونسية كوثر البشراوي، يستدل عليه من عنوانه، فهو يشكّل مساحة لإثارة نقاشات فكرية واجتماعية وقضايا رئيسية، تذهب في كل اتجاه، مع حضور 4 ضيوف في الاستديو لهذا الغرض. ستجلس البشراوي هذه المرة، أمام الكاميرا كمحاورة لا كضيفة في خطوة لطالما انتظرتها، وتريد اليوم من خلالها تتويج مسيرتها الإعلامية الحافلة. تكتسب صناعة هذا البرنامج أبعاداً تتخطى المادة التلفزيونية المراد تقديمها، لتصل إلى أعمق من ذلك، الى المشروع السياسي للقناة. هذا المشروع الذي تصفه بـ «الحلم» بدأ التحضير له منذ عام 2007، وها هو يتحقق اليوم في بيروت، عبر محتوى عربي واسع يتخطى التفاصيل اللبنانية، ليطال هموماً وشرائح عربية أوسع، واستمراره مرهون بتفاعل الجمهور معه. عدد حلقاته معدودة، لذا تعتبر أم يوسف أنها ستحلّ «كضيفة وكعابرة سبيل» على هذه القناة.
محتوى عربي يناقش هموماً وقضايا راهنة

في مقابلة حصرية مع «الأخبار»، تتحدث البشراوي عن القيمة التي يراد إرساؤها لـ «جدل عربي» وسط أتون الحروب والصراعات التي تغرق فيها المنطقة العربية، وأفرزت مع الوقت خطاباً تقسيمياً مذهبياً مقيتاً، لا سيما بعد الأزمة السورية وما أفرزته من شرخ على مستوى الوطن العربي بأكمله. البشراوي التي تزور سوريا دوماً «لأنها تعيش في لحظة ضيق»، تسعى في هذه الأيام الى زيارة اليمن المدّمر جرّاء العدوان العربي السعودي عليه، بعدما عايشت حرب تموز 2006 وبقيت كل أيام عدوانه في لبنان، قائلةً: «عار أن أترك أهلي بمحنة». تعوّل الإعلامية على إمكانية هذا البرنامج أن «يرّمم الجرح القبيح» المدموغ في هذا الأمة، وتصف المرحلة اليوم بـ «العار» الذي يعيشه العالم العربي «بغض النظر عن الظالم والمظلوم». مع فريق برنامجها، ستحاول البشراوي وضع الاصبع على الجرح، و«تقليص مساحات الكره» كما تقول. تقرّ بالخلافات السياسية، لكن هذا لا يجيز برأيها إلغاء وتكفير الآخر كما يحدث اليوم، وزرع الأفكار المسبقة و«المجانية» عن بلدان وشعوب بأكملها تمهيداً لأبلستها. هذا ما حصل معها، وتواجهه اليوم بمزيد من الصبر والثبات، فـ «أنا أنتمي إلى منظومة لا تلغي أحداً. أنا أُلغيت وهدر دمّي».
انطلاقاً من هذا المشروع الوليد، تفنّد الإعلامية المثيرة للجدل مسيرتها التي تحتفي اليوم بمرور 31 عاماً عليها، منذ تاريخ دخولها مبنى الإذاعة والتلفزيون التونسي (1985)، وتوجهها بعده الى لندن (1990) لتكون ضمن مؤسسي الإعلام الفضائي وانتقالها لاحقاً للعمل في أهم هذه الفضائيات كـ mbc، و«الجزيرة»، و«العربية» وغيرها من القنوات. مسيرة حافلة ضمن ربع قرن، تلخصها اليوم بخطوط مهنية واضحة، تختصرها بما أسمته بـ «الإعلامي الفرد»، «الحقيقي»، و«المتمتّع بالصدق والأخلاق، مع نفسه وجمهوره، بعيداً عن المؤسسات الإعلامية التي وجدت في الأصل لتنفذ أجنداتها وتغربل الأخبار تبعاً لسياستها التحريرية». قد تكون الإعلامية التونسية بهذا الكلام تتكلم عن طوباوية غير موجودة في الإعلام الحالي، لكنها مدركة لهذا الواقع وتصرّ على السير بطريق لا زحمة فيه. يمكن اختصار ذلك، بالمعادلة التالية كما توجزها الإعلامية التونسية: «الإعلام ليس وظيفة، بل مشوار حياة وخدمة الأمة».
تمكث كوثر البشراوي اليوم وحدها مع نجلها يوسف في لندن، المكان الذي اعتادت على معايشة الغربة فيه بعيداً عن بلدها الأم تونس. غربة تحوّلت الى وطنها الثاني في كنف حرية تعيشها اليوم، وأمان حظيت به، بعد إضطرارها لمغادرة بيروت خوفاً على ابنها، على خلفية التهديدات التي تتعرض لها بسبب مواقفها السياسية والقومية. مع ذلك، تواصل عملها بعكس هذا التيار التكفيري الذي يحاول تكميم الأفواه من دون توقف: «أنا لا أستطيع التفرج والسكوت، إزاء ما يحل اليوم بالأمة العربية».
ومن موقعها اليوم، من داخل فريق «المنار» تعلن تضامنها مع القناة، خصوصاً بعد إنزالها عن قمر «عربسات» وتصديق «الكونغرس» الأميركي على قرار ملاحقة كل شركات البث المزودة لها. تعلن البشراوي عن هذا التضامن غير المحسوب حتى لو «شملت الخسائر الأعناق والأرزاق» انطلاقاً من قيم الحرية، والانتماء إلى الإعلام، «الطريق الممزوج بالشقاوة والشقاء».