المعرض هو نتيجة المشروع الذي أطلقته «جمعية مهرجان الصورة ــ ذاكرة» بإدارة المصوّر رمزي حيدر، بالتعاون مع «منظمة الأمم المتحدة للطفولة ــ اليونيسف»، في مخيمات اللجوء السوري في البقاع والشمال وإقليم الخروب ومرجعيون، والتقطتها عدسات الأطفال هناك. بدأ المشروع بزيارات متعددة للمخيمات والتعرف إلى الأطفال، قبل العمل معهم في ورشة عمل طويلة استمرت تسعة أشهر بين 2013 و2014. الورشة بدأت بالرسم أولاً، والحديث مع الأطفال قبل منحهم الكاميرات، وتدريبهم على استخدامها.
وزّع البرنامج 500 كاميرا على 500 طفل سوري. سنتعرف إليهم أكثر في الوثائقي (23 دقيقة) الذي عرض أيضاً في المعرض. في الشريط، ندخل إلى كواليس الصور. نعي لماذا يلتقطها هؤلاء بحماسة مضاعفة. «سأحتفظ بها لأريها لرفاقي في سوريا، كي يعرفوا أننا عانينا كما يعانون هم الآن في الحرب»، تقول إحداهن. هذه الورشة جزء من مشاريع كثيرة تديرها الجمعية. عام
صور التقطها الأطفال في مخيمات اللجوء السوري
2007، أقامت «لحظة 1» مع الأطفال في مخيمات اللجوء الفلسطينية في لبنان. صور، وصيدا وبيروت، محطات التقط فيها الأطفال واقعهم وظهّروه بطرقهم الخاصة. المشروع الأول كان أسهل بالطبع، فـ«اللاجئون السوريون غير مستقرين» يقول رمزي حيدر. من السجون إلى مخيمات اللجوء، ومن القضية الفلسطينية إلى الأزمة السورية، تتابع «جمعية مهرجان الصورة ــ ذاكرة» علاجها بالصورة الفوتوغرافية لأشخاص تجمعهم المعاناة الاجتماعية وكوارث الحروب. في «نزهة» الذي أطلقته «ذاكرة» بالتعاون مع «آفاق» (الصندوق العربي للثقافة والفنون)، عملت مع السجينات في سجن «بربر الخازن» في بيروت، وعمل «رؤى» لمدة ثلاثة أشهر، مع ثمانين مراهقاً في مخيمات اللاجئين في عين الحلوة، وصيدا، ومنطقة النبعة، وبيروت. أما اليوم، فتعمل الجمعية مع مجموعة من الشبان والشابات السوريين واللبنانيين في بيروت على مشروع إنجاز أفلام قصيرة. هكذا يبدو برنامج رمزي حيدر وجمعية «ذاكرة» لا ينضب ما دامت الحروب والمشاكل الاجتماعية مستمرة. وإلى جانب معرض «لحظة 2»، خرج المشروع بكتاب بالعنوان نفسه، يضم 142 صورة فوتوغرافية للأطفال (من 9 إلى 14 سنة)، من بينها تلك التي شاهدناها في المعرض.
تبدو الصور كلحظة ثقيلة تجمعها لقطة واحدة. تتلاشى المسافة بين عدسات المصورين المحترفين واللقطة في تصويرهم للأزمات. وبهذا تتفوق عدسات الأطفال على العدسات المحترفة، في هذ الجانب تحديداً. وهنا يفرض السؤال نفسه: ماذا يمكن لأعين الأطفال أن تصنع من مشاهد تراها كل يوم، ومن واقع تعاني منه؟ يظهر هؤلاء أعيناً دقيقة وذكية، لا يحكمها طموح التقاط المشاهد الأكثر بؤساً، بقدر التقاط الحياة اليومية كما هي. هكذا رأينا الحياة من زاوية يومية لا موسمية، أي تلك التي ظهرتها الوسائل الإعلامية أخيراً بعد المآسي التي شهدتها المخيمات أثناء العواصف. حياة أخرى تستمر هناك، خلف المأساة، من خلال ممارسات يومية لا نتخيل أنها موجودة أساساً. الزرع والأعراس، والذهاب إلى المدرسة وغسل الأواني والثياب والتدفئة، والديكورات الداخلية للخيم، والطبخ والبطاطا التي تكاد تكون الطبق الوحيد.
كلها شكّلت مادّة أساسية في صور الأطفال الذين نجحوا في تصيّد الأمل الكامن في العيون الضاحكة، رغم كل شيء.