28 سنة مضت بين 1983 وصول عميل «وكالة الاستخبارات الأميركية» (CIA) روبرت بير الى لبنان الذي أوكلت له مهمة تعقّب وتصفية القائد العسكري في «حزب الله» عماد مغنية، و2011 عام تركه العمل في «المحكمة الدولية الخاصة بلبنان» كمستشار لفريق الادعاء في قضية اغتيال الرئيس رفيق الحريري، وتوجيهه سلسلة اتهامات الى الحزب وتحديداً مغنية بالضلوع في عملية الاغتيال (مما يدل على التسييس الفعلي في هذه المحكمة).
أراد الإعلامي جاد غصن إعادة إنتاج هذه المشهدية السياسية الإقليمية عبر فيلمه الوثائقي «المطاردة» (تصوير علي شريم، مونتاج علي خليفة) على «الجديد». النتيجة وثائقي (60 دقيقة) حاول من خلاله غصن توليف مرحلة عمل بير في لبنان وتنسيقه في هذه الفترة مع الجهاز الأمني اللبناني من جيش وأمن عام وقوى أمن داخلي، وفشله في تحقيق هدفه في القبض على مغنية وقتله. والمعروف عن بير ضلوعه في عمليات أمنية وتفجيرات في بيروت ومن ضمنها تفجير «بئر العبد» (1983) الذي كان يستهدف العلامة الراحل السيد محمد حسين فضل الله. مغنية كان يصنّف عند الأميركيين كمسؤول عن عمليات أمنية عدة حصلت في لبنان من تفجير «المارينز» (1983) الى معلومات أخرى تتحدث عن محاولات قتل أميركيين في لبنان. ينطلق غصن من «مهمة» بير الى سياق سياسي أوسع يتمثل في الإضاءة على العلاقات الإيرانية- الأميركية وقتها وصولاً الى الإتفاق اليوم بين الدولتين حول البرنامج النووي الإيراني، وأخذ إيران مكانتها في المنطقة منذ تلك الحقبة.
عبر سلسلة مقابلات أبرزها مع منسق «شبكة الأمان للأبحاث الاستراتيجي» أنيس النقاش (المقرّب من مغنية) والصحافي قاسم قصير والصحافي الأميركي في بيروت نيكولاس بلانفورد، يضيء الشريط على المراحل التاريخية لنشأة «حزب الله» وعمله العسكري الأمني والحديث عن الإتهامات الأميركية بضلوع الحزب في عمليات عسكرية حصلت أو كان يخطط لها ودحضها الزمن والأدلة. وبين هذه المقابلات عرض لمشاهد أرشيفية توثق الحقبة المتناولة في لبنان، ولقاء مع بير نفسه أو «بوب» (15 دقيقة) كما كان يلّقب في بيروت، أجري عبر الأقمار الصناعية بسبب تعذر إجرائها في الخارج ومن ضمن هذه الأسباب خوفه على حياته الخاصة بما أنه «شخصية معرّضة للخطر». وكشف - كما يقول لنا غصن - عن «مفاجآت» تسرد للمرة الأولى.
يرى غصن في هذا الفيلم جذباً قد يحدثه بما أن الشخصيتين المتحدث عنهما (مغنية وبير) تعدان بارزتين. والجذب يكمن أيضاً في ابتعاد الصحافي الشاب عن المطولات السردية، فكان الشريط «سريعاً من دون الخوض في التفاصيل». في معرض الحديث عن توجهه داخل القناة الى إنجاز أعمال وثائقية مماثلة، لا يتردد غصن في القول بأنه يحب هذا المنحى من عمله، بخاصة الإضاءة على «قضايا معروفة لدى الناس، لكنهم يجهلون تفاصيلها»، أكثر من خوضه في العمل الميداني في النشرات الإخبارية مع الركود السياسي الحاصل اليوم.

* «المطاردة» الليلة عند الساعة 21:30 على «الجديد» .