في الأول من أيار (مايو) 2008، كان الاحتقان الداخلي قد بلغ ذروته التي لم يكن ينقصها سوى دفعة أخيرة قاتلة في الخامس منه لينفجر الوضع الأمني بعد يومين. هكذا استقبل لبنان الدورة الأولى من "مهرجان الربيع" في نسخته المحلية بعد انطلاقه من مصر قبل ذلك بأربع سنوات. آنذاك، صدح صوت المغني الأذربيجاني العظيم عليم قاسيموف إلى جانب ابنته الجميلة قلباً وقالباً وصوتاً وإيقاعاً. وكذلك فعلت كمنجة الإيراني كايهان كالهور على وقع أزيز الرصاص في محيط دوّار الطيونة حيث مسرح "دوّار الشمس". استمر المهرجان الذي يقام كل سنتَين، وها هو يصل اليوم إلى دورته المحلية الرابعة ونحن في وضع أفضل بكثير، إلاّ إن كنّا نفضّل الرصاصة الخاطفة على الرائحة البليدة (ونِعْم المفاضلة!).كما جرت العادة، يطرح "مهرجان الربيع" برنامجاً يجمع معظم الفنون، على رأسها الموسيقى، مع ميلٍ واضح نحو الشعوب التي تتمتّع بإرث ثقافي وفنّي عريق ومختلف عن السائد المدعوم من الإعلام العربي والعالمي. هذه السنة، تتنوّع الأمسيات بين العروض الراقصة، المسرح، الموسيقى، الأفلام والفنون المشهدية، بالإضافة إلى جلسات النقاش والطاولات المستديرة، وتستضيفها صالات ومسارح وحانات في بيروت وصور والنبطية. نتوقّف في هذه السطور عند الجانب الموسيقى الذي يتمتع دوماً بالحصّة الأوفر في المهرجان.
الأمسية الأولى تقام في 30 نيسان (أبريل) على مسرح "دوّار الشمس". يحيي هذه الأمسية الفنانان السوريان ديما أورشو (سوبرانو) وكنان العظمة (كلارينَت) وعازف الكمان التونسي جاسر حاج يوسف. لا معلومات عن البرنامج، غير أن المرجّح هو مزيج بين الكلاسيك المعاصر والجاز الإثني والموسيقى الشرقية، نظراً إلى تجربة الثنائي السوري السابقة في فرقة "حوار". في السادس من الشهر المقبل، أمسية لمشروع "مينا"، نجمتاه المغنيتان الفلسطينية تيريز سليمان والبرتغالية صوفيا برتغال، الثنائي الذي يؤدّي كلاسيكيات من فلسطينية وعربية وعالمية (مسرح "دوّار الشمس"). في 11 أيار (مايو)، تستضيف حانة "راديو بيروت" (مار مخايل/ الجميزة) الفنان السوري الأصل عمر أفندم، يقدّمه Mad Prophet وDJ Chack من "جنود بيروت". في 14 أيار، أمسية أفريقية النكهة مع Bassekou Kouyate & Garana Roots من مالي ("دوّار الشمس") تليها بعد يومين أمسية تجمع الفنانَين التركيَّين فرهات تونتش (باغلاما) وإرتان تيكين (دودوك) بعازف الإيقاع اللبناني أحمد الخطيب في حانة "أونوماتوبيا" (الأشرفية).
نعود بعدها إلى "دوّار الشمس" مع عازف الساكسوفون السوري باسل رجوب و"مشروع سوريانا" (20/5) يليه نشاطان في ليلة واحدة (21/5)، الأول يجمع تحت عنوان "هويّات" عازف الساكسوفون التونسي ياسين بولعراس وعازف البيانو اللبناني طارق يمني على مسرح "دوّار الشمس"، والثاني في حانة "يوكونكون" (مار مخايل/الجميزة) مع الـDJ السويسري Wiz. في 22 أيار (مايو) نصل إلى آخر أمسية موسيقية في المهرجان الذي يستمر حتى 26 منه. يجمع الموعد المذكور فرقة Gultrah Sound System التونسية وعازف الغيتار الكنَدي، الجزائري الأصل، المعروف باسم Labess. يستضيف هذه الأمسية "مترو المدينة" (شارع الحمرا) ونسمع فيها أعمالاً غنائية بأنغام متعدّدة بين الفانك والريغي والراب والأفريقي والمغرب العربي.