عبد الغني طليس
في عيني الممثلة كارمن لبس، حزنٌ دفين يقود إلى شخصيتها على رغم تلك الابتسامة العريضة التي ترسمها على وجهها. حزنٌ مقيم على ابتسامة عابرة... يمكن قول ذلك بلا حرج، خصوصاً أنّ هذا النوع من الوجوه المركّبة والمفخّخة بتناقضات غريبة، هو الأفضل للكاميرا، وهو الأفضل للتعبير، والأفضل لمؤلف السيناريو الذي يكتب مرتاحاً إلى أنّ مَن سيجسّد الدور يمتلك قدرات سحرية شكلاً قبل الاكتساب الاحترافي. لم تتأخر كارمن في التألق تمثيلاً، بل تأخر بعض الكتّاب والمخرجين في الوصول إلى تلك المعاني الأدائية التي تنضح بها. كان بعضهم يراها في الدور الثاني لا الأول، وكانت توافق على حضورها الثاني لأن حضورها الأول يتطلب آلية إنتاج أو نظام إنتاج درامي غير معروف رأسه من خصره. لم تشأ الاعتراض. ربما اعتبرت أن التجارب المتتالية ستكسبها الثقة المنتظرة مع «جماعة» الإنتاج. وهذا ما حدث فعلاً، لكن بعد وقت طويل نسبياً. وفجأة، بات التعب في ملامحها يوحي بأنّها في الخمسين من العمر. لكن من يتابع حيويتها الأدائية تراوده فكرة بأن «المصادفة» كان ينبغي أن تقود إليها شخصاً أو شركة، تكتشف إمكاناتها قبل عشرين عاماً على الأقلّ. أركز على المصادفة لأنها بالنسبة إلى الفنانين تكاد تسبق الموهبة الآن وكل أوان... وفي كل مجتمع فني شرقاً وغرباً. فكيف بالمجتمع الفني اللبناني الحافل بالغرائب؟
هناك الكثير من المتعة في مراقبة طريقة أداء كارمن لبّس، تبدأ من نقطة معينة ثم تتجه عميقاً في عملية التجسيد، لا أثر لأي فراغات من تلك التي تحدث في أداء كثيرين حتى ذوي الخبرات الجيدة... تماسك شديد يشبه السلسلة التي تمتد في انسجام، فلا يقع حرف أو كلمة أو موقف على الأرض. كله يقع في العين. وعين المشاهد مُحِبّة وهو يتابع كارمن تمارس النضج سنّاً وخبرةً وتألقاً في أغلب أدوارها، حتى تلك التي يشاركها فيها ممثلون أضعف منها أو أقل احترافاً. كارمن تغرد أدائياً في سربها، وأحياناً خارج سربها. لكن في كل الحالات تغرّد، لكونها تعيش التمثيل تواصلاً بين الحلم والواقع. لكنّها في كثير من الحالات، تشحن رفيقها في مكان التصوير بانفعالات مُستفزة ليساويها أداءً. وتفعل ذلك من دون أن تكسر فيه خاطراً أو «تربّحه» جميلاً. ببساطة تفعل فعلها فيه وفي الُمشاهد. تحتاج كارمن إلى كاتب «خاص» ومخرج «خاص». الممثلات اللواتي يحظين بهذا الترف العملي لسنَ أفضل منها. هي أقوى بما لا يُقاس. وأغلب الظن أنّ الكتّاب والمخرجين الذين يمنحونها أدواراً ثانوية يدركون متأخرين أنّهم لم يعطوها ما تستحق. وعندما يستدركون، يأتي ذلك متأخراً أيضاً. إنّها حالة الإنتاج الدرامي اللبناني الذي يكتب أي شيء ويُخرج أي شيء ويقبل بممثلين من «أي شيء»، وحين يتحرر من هذه «القواعد»، يصطدم بجمهور اعتاد «أي شيء». من هنا تحتاج قضية الإنتاج الدرامي اللبناني ثورةً حقيقيةً نراها في بعض الأعمال أحياناً، لكننا لا نتلمّس متابعة جدية وإبداعية لها.
كارمن لا تكتب ولا تُخرج. هي ممثلة، جُلّ ما تملك مساحة، وغير واسعة أيضاً، لقبول أدوار أو رفضها. وهي تقبل أكثر مما ترفض، لأنها لا تريد أن تُغضب كاتباً أو مخرجاً أو منتجاً في مسلسل معين، خشية أن يشطبها الفيتو الذي قد ينشأ بعد ذلك ضدها. من هنا، التفاوت في مستوى الأعمال التي تشارك فيها. في وجه كارمن لبّس امرأة ناضجة وأخرى مراهقة: إنّهما وجهان لعملة واحدة تُحسن كارمن اللّعب بهما. «واللعب» بضاعة الممثل. وهي تطل يوم الثلاثاء في برنامج «جنون».
الثلاثاء 21:00 على «الجديد»