تزهو قناتا «العربية» و»الحدث» بانفرادهما في عرض صور «خاصة» لمقاتلات «قوات التحالف العربي لدعم الشرعية في اليمن»، تظهر انطلاقتها من القواعد العسكرية السعودية، وإغارتها على «الأهداف» المراد تدميرها وعودتها «سالمة غانمة». إنه لا شك استعراض عسكري إعلامي يمكن وصفه بالساذج، تمارسه الشبكة السعودية، مقابل تعتيم تام على أعداد الضحايا من المدنيين اليمنيين الذي قضوا جراء هذه الغارات.
نكاد لا نسمع بمصطلح «المدنيين» على المحطة الا عندما توجه أصابع اتهامها الى «الحوثيين»، «بقتل الأبرياء». في هذا السياق، ذكرت «العربية» أول من أمس أنّ 25 «قتيلاً سقطوا في احتراق معمل للألبان» يضم «مئات العمال اليمنيين»، وأن آخرين قضوا أيضاً في معمل الإسمنت الذي قصفته «جماعة الحوثي». بروباغندا تقابلها مشاهد دامية تفيض فيها شاشة «المسيرة» التابعة لـ»أنصار الله» بنقلها لمشاهد الدماء تملأ أرضيات المستشفيات ولأنات الجرحى وعزمهم في الوقت عينه على مقاومة هذا العدوان.
نتكلم هنا عن محطة يمنية متواضعة تقابلها منظومة سعودية تستحوذ على «مفاصل» الفضاء العربي وتكتم أي صوت مناهض لها. ولعلّ إغلاق القنوات الرسمية اليمنية التي تبث على قمر «نايل سات» بطلب من الرئيس اليمني الانتقالي عبد ربه منصور هادي (الأخبار1/4/2015) يشكّل دليلاً واضحاً على سياسة هذا الإطباق التام على الأصوات الأخرى. وفي ظل هذا التعتيم والتحوير في الحقائق، خرجت «منظمة العفو الدولية» أخيراً، لتكشف عن عدد «القتلى» المدنيين الذين قضوا في «الهجمات الجوية التي قادتها السعودية ضد بعض المواقع في صنعاء» بينهم 6 أطفال دون العاشرة وآخرون رجال تراوح أعمار معظمهم بين الثلاثين والأربعين. المنظمة العالمية التي جالت على العاملين في 4 مستشفيات مختلفة تبين معها أن هؤلاء الضحايا قد تم سحبهم من تحت أنقاض 14 منزلاً. وهذا العدد ــ بحسب المنظمة ــ مرشح للارتفاع في ظل وجود العديد منهم تحت الأنقاض ولم يتم إنقاذهم. ووسط هول هذا المشهد، طالبت المنظمة السعودية بـ «اتخاذ الاحتياطات الممكنة لتجنب المدنيين»، و»التحقّق من الأهداف العسكرية مع إعطاء المدنيين تحذيرات فعّالة مسبقة».
وأول من أمس، نشرت قناة «bbc عربي» تقريراً عن الأوضاع الإنسانية في اليمن. ووفق مصادر إغاثية وشهود عيان في مدينة الحوطة، فإنّ «الكلاب والقطط بدأت تأكل جثث القتلى» المنتشرة في الشوارع، وأغلبهم مجهول الهوية. وتقوم المستشفيات بتصوير هذه الجثث قبل دفنها بسبب امتلاء ثلاجات المستشفيات بجثث الضحايا. وأكد مراسل الشبكة البريطانية عبد الله غراب أن أعمال الإغاثة قد توقفت بشكل كلّي في مختلف أنحاء اليمن منذ بدء العدوان أي مساء الأربعاء الفائت، ما يهدّد أكثر من 61 % من سكان اليمن (15.3 مليون شخص) كما توقعت منظمات إغاثية عدة خلال هذا العام.
الوضع الإنساني المزري في اليمن جراء الحرب الخليجية -العربية على أراضيه، تحوّل بدوره مثار جدل ووسيلة للاستخدام السياسي. نشرت قناة «سكاي نيوز عربية» أول من أمس تقريراً يتضمن تحذيراً لخمس جمعيات إنسانية يمنية بما سيحل بهذا البلد من كوارث «بيئية وإنسانية» جراء تحلل بعض الجثث التي مرّ عليها أيام وهي في الشوارع. هذه الجثث ـــ وبحسب بيان لهذه الجمعيات ـــ قضت على يد «القوات التابعة للحوثي وعلي عبد الله صالح» جراء «اجتياحهم» مدن عدن، ولحج، وأبين، والضالع (جنوب اليمن).