يبدو أنّ رياح "عاصفة الحزم" عصفت بقوة على الأراضي اللبنانية وتحديداً على الشاشات المحلية. أول من أمس، تحوّلت القنوات اللبنانية الى ما يشبه المتاريس الحربية. بعضها بدا ملكاً أكثر من الملك، وراح يزايد حتى على الإعلام الرسمي السعودي الداعم والمرّوج لهذا العدوان، بينما بقيت محطات أخرى تنشد خطاباً عاطفياً يناصر اليمن وأهله ويدين العدوان الذي لن يأتي منه سوى "الخراب".
يكفي إلقاء نظرة على مقدمات نشرات الأخبار المحلية أول من أمس ليظهر مشهد الانقسام الحاد ذو الخلفية السياسية والمذهبية المعروفة. قناة "المستقبل" كانت الناطق الرسمي باسم المملكة في لبنان، مارست تهويلاً من خلال الحرب التي تشنها السعودية على اليمن. وكمن يحمل عصا ليهدد بها هكذا فعلت القناة الزرقاء، عندما أوردت في مقدمة نشرة أخبارها أن "عاصفة الحزم" دقت ساعتها (..) "لتعيد الحوثيين الى أحجامهم وتخرج المنطقة العربية من محاولات الهيمنة". ولفتت في مكان آخر إلى أنّ هذا "التحالف العربي والخليجي" أتى "لوضع حدّ للتدخل الإيراني في اليمن".
بنبرة خطابية حماسية حربية، صاغت mtv مقدمة نشرتها. برأيها، فـ "إن لم تنه العملية الانقلاب على السلطة الشرعية (...) فهي مؤشر على بداية حزم عربي في وجه استباحات إيران لسيادات العرب". شاشة "المرّ" التي وصفت العدوان "بنواة قوة عربية ضاربة" علقّت على اعتراض كل من إيران و"حزب الله" على العملية العسكرية بسخرية، وعزت هذا الغضب إلى ما معناه أنّهما وحدهما يحق لهما التدخل في شؤون الدول حصراً.
بدورها، ذهبت lbci إلى التحليل، فوضعت هذا العدوان في الاسطر الأولى لمقدمة نشرة أخبارها، موردةً أن السعودية لا "تحتمل أن تكون اليمن خاصرتها الضعيفة" و"لا تحتمل أن تكون إيران (...) مصدر تهديد لها". ووصفت "المؤسسة اللبنانية للإرسال" هذه الحرب بأنها تدار بالوكالة بين إيران والسعودية على أرض اليمن في معزوفة تذكرنا بالاجتياحات الصهيونية للبنان لدى الترويج بأن الحرب على الأرض اللبنانية هي بين إيران وإسرائيل، بشكل يزيل تماماً صبغة الانتماء الى الوطن.
وبنفس خطابي وجداني هذه المرة، سطرت "المنار" نشرتها الإخبارية. تحدثت عن "ثورة الشعب الذي أبى الهيمنة والتبعية" الذي رفض "الانقسام والاستزلام". قناة المقاومة صعّدت من لهجتها ضد السعودية ووصفت العدوان "السعودي الأميركي" بـ "المغامرة"، منتقدة سبات "مئات الطائرات" التي لم تتحرك يوماً رداً على "مذابح إسرائيل" في غزة ولبنان.
وحدها otv غرّدت خارج سرب "عاصفة الحزم" واستهلت نشرتها بخبر حادثة الطائرة الألمانية المنكوبة التي تشير المعطيات الأولية إلى أنّ مساعد الطيار لعب دوراً في سقوطها. القناة البرتقالية وضعت العدوان على اليمن في المرتبة الثانية، واصفة التحالف بـ "السني العريض ضد حوثيي اليمن وزيدييها وضد حليفتهم إيران".
وعلى غير العادة، نأت قناة "الجديد" بنفسها، واكتفت بتوصيف مجريات العدوان الحاصل بصيغة تقريرية من دون أخذ موقف محدد ومباشر. مررت بين أسطر مقدمة نشرة أخبارها بعض الرسائل لمصر مثلاً، فوصفتها بـ "الهائمة على مليارات النهوض" التي شاركت في الضربات الجوية، في إشارة الى الدعم المالي الخليجي لمصر أخيراً خلال المؤتمر الاقتصادي في شرم الشيخ.