منذ بدايات الأزمة اليمنية الحالية، دأبت «العربية» السعودية و«الجزيرة» القطرية على تسمية تنظيم "أنصار الله" اليمني بالحوثيين نسبةً إلى القبائل المعادية (منذ الأبد) للسعوديين التي تسكن المناطق القريبة من حدودهم. وفي تلك التسمية لعبٌ على فكرة أن من يقاتلون في اليمن هم "قبيلة" واحدة، واليمن مكوّن من عدّة قبائل، لذلك لا يمكن أن يحصل هؤلاء على أي نوعٍ من شرعية.
إذا ما أعطينا قبيلةً واحدة الحكم، لن يهدأ البلد، فالقبائل الأخرى لن تسكت أو تستكين (مع العلم أن السعودية كمعظم دول الخليج تحكمها قبيلة واحدة)، لكن ما حصل البارحة ضمن ما سمِّي «عاصفة الحزم»، كان إضافة تعبير «الإرهابية» إلى توصيف "أنصار الله" بحسب قنواتٍ كثيرة مثل «العربية» والإخبارية السعودية، إضافة إلى تركيز على صور الملك سلمان، وابنه وزير الدفاع محمد الذي تبارت تلك الفضائيات على إظهاره بجميع الأشكال. أظهرت فيديو (وصوراً) له زائراً للمنطقة الحدودية مع اليمن، متفقداً قواته العسكرية هناك وبثياب "مدنية" بدلاً من ارتداء ثيابٍ عسكرية "متوقعة". وكانت الإخبارية السعودية قد بثت فيديو يظهر فيه الأمير متحدثاً على الهاتف، متحاوراً مع ضباطٍ بأزياءٍ عسكرية في إشارةٍ لاهتمامه بالعمليات العسكرية وإشرافه عليها على نحو مباشر.
سعت القنوات الخليجية إلى إظهار العملية السعودية «عملية عربية» شرعية وجامعة، فكررت «الجزيرة» الكتابة أسفل الشاشة في الأخبار السريعة أن العملية هي عملية عربية تأتي استجابةً لطلب الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي. وبدا أن هناك إصراراً على تذكير المشاهد بأنها عملية مشتركة بين جميع الدول العربية ضد جماعةٍ صغيرة في اليمن لا ترغب في الحفاظ على أمن البلاد واستقرارها. بحسب تقرير لعمر حرقوص مثلاً (العربية)، بدا دعم معظم الدول العربية (تقريباً) للعملية ومشاركتها بها واضحاً. ومن لم يشارك أيد بالقول أو بالتصريح. تقرير آخر (المراسلة ورود الشيخ على «العربية» أيضاً) أبرز أن الدول العربية تدخلت في اليمن بعد رسالة وطلب من الرئيس "الشرعي" هادي، واستناداً لمبدأ "الدفاع عن النفس" و"ميثاق جامعة الدول العربية" و"معاهدة الدفاع المشتركة". كل تلك التبريرات كانت تدفع إلى فكرة واحدة: العملية "عربية" بحت في مواجهة "ميليشيات" انقلابية مدعومة إقليمياً. في الإطار عينه، كان هناك "تعويم" وإعادة لكلمات الأمين العام لجامعة الدول العربية نبيل العربي، الذي أشار إلى أنَّ الرئيس الشرعي «طلب المساعدة منا ضد جماعةٍ انقلابية».

تركيز على إضفاء الغطاء العربي على العدوان السعودي

في الإطار عينه، سعت القنوات نفسها إلى تأكيد أن الغرب بغالبيته مؤيدٌ لهذه العملية، فأكدت «الجزيرة» أنه رغم عدم تدخل القوات الأميركية بطريقة عسكرية مباشرة، إلا أنها ستتدخل على نحو "استخباري ولوجستي". المفارقة كانت في رسالة مراسلة «الجزيرة» في لندن مينا حربلو التي أشارت إلى أن بيان الخارجية البريطانية "مهتم على نحو واضح بالعملية السلمية في اليمن»، وأن الحوثيين يستخفون بالقوانين الدولية، لكن يبدو أن البريطانيين ليسوا "محبذين" للعملية العسكرية، وقد حاولت المراسلة اللعب على الفكرة. بدورها، غيرت العربية طبيعة الحديث بأكمله، فأشار المذيع إلى أنَّ «بريطانيا تؤيد العملية السعودية».
تأكيداً على الأسلوب نفسه في "تأكيد المؤكد"، لجأت الفضائيات الخليجية إلى استضافة "مؤيدين" لكلامها، قد لا يضيفون شيئاً إلى الحوار لكنهم "يؤكدونه" ويقربونه للمشاهد. هكذا، استضافت «الجزيرة» الكاتب السعودي سليمان العقيلي، الذي أشار إلى أن ما حدث هو "رد الفعل العربي" على حرب "الفرس" على الوطن العربي. مثله، جاء (على «الجزيرة» أيضاً) فهد الشليمي من الكويت (رئيس المنتدى الخليجي للأمن والسلامة) مشجعاً على "التحرك" الخليجي ومؤيداً له لأن "الناس ملوا من القرارات الخاملة" و"الجيوش وضعت للمعارك، والمملكة السعودية لم تستعرض بجيشها، وهي تحركت وبان صدى قوتها". أما الكاتب السعودي حسين شبكشي (العربية)، فكان الحديث عن أن ما حدث هو تفعيل "اتفاقية الأمن العربي المشترك" ونجاح السعودية في ضمّ الجميع تحت رايتها "المحقة" برغم اختلافاتهم الكثيرة. وعلى عادتها، حاولت «الجزيرة» إظهار "صدقيتها" من خلال استضافة رأي معارض، فسمحت للناشط المقرب من "الحوثيين" حسين البخيتي بالتحدث، مشيراً إلى "ضعف" الجيش السعودي وأنه لم يحارب إلا أمام شعبٍ أعزل في البحرين.
وفي إطار المعركة، كان طبيعياً التركيز على كون "أنصار الله" حلفاء أساسيين لإيران، فأوضح أكثر من تقرير على قناة «العربية» أنّها تريد إشعال المنطقة بأكملها، في إشارةٍ إلى تصريحات وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف عن أنَّ "ما يحدث خطير جداً وسيشعل منطقة الشرق الأوسط بأكملها". كان جميع "الضيوف" الذين استضافتهم الفضائيات الخليجية متفقين على أنَّ "العدو" هو إيران، وأن تحرّك السعودية هو "لإظهار قوتها" و"يقسم العالم إلى الأبيض والأسود" (بحسب الشبكشي مثلاً)، أو "أنها (أي السعودية) أرادت أن تظهر أنها قادرة وفاعلة" (بحسب الشليمي).






مراسل حربي في «العربية»

من تابع مراسل قناة «العربية» ياسر محمد علي، شعر بأنه أمام مراسلٍ "حربي"، إذ كان واضحاً الأسلوب الخطابي المستعمل من حيث الجدة وحدة اللهجة واستعمال أدوات التوكيد حتى شعرنا بأن المعركة هي معركةٌ أساسية بالنسبة إلى الجانب السعودي وقناتها الفضائية. أضف إلى ذلك استعمال "جنريك" يظهر مقاتلين يمنيين يرفعون السلاح وفي ختامه صور لطائرات سعودية وطيارين مع كلمتي "عاصفة الحزم" بخطٍ أحمر كبير. هذا الأسلوب "الحربي" الذي شهدناه سابقاً تغطية للعمليات العسكرية في غير مكانٍ في العالم، بدا أن استعماله "جديد" بعض الشيء من قبل "العربية"، التي يبدو أنها انتهزت الفرصة برؤية الجيش السعودي في معركةٍ ما.