بيت لحم | في «متحف محمود درويش» في رام الله، افتتح محمد السمهوري (١٩٦٩ - المولود في مخيم الحسين في عمان) معرضه الجديد «غزة تصعد إلى السماء» الذي يضمّ 60 عملاً، منها 30 لوحة (أكريليك على قماش)، و30 أخرى مرسومة على ورق الجرائد التي كانت تنقل أخبار غزة إبان العدوان الأخير عليها العام الفائت، يناقش جلها حصار القطاع من خلال سمكه. سمكة غزة هي رمز الإنسان الغزاوي، ابن البحر الذي تحاصره وتحاصر بحره الحدود، من دون أن تترك له مجالاً للحياة. يعكس الفنان أيضاً علاقته بزوجته وفاء عبد الرحمن التي تعيش في رام الله، بعيدة هي أيضاً عن أهلها في غزة، ويبحث في مشروعه هذا قصة البحر والسمكة التي تتنقل من مكان إلى آخر. تارةً، نراها تطير فوق المنازل، وطوراً تعلو السماء في بحثٍ عن وجهتها القادمة، ومرة في شجرة زيتون أو تعلو امرأةً تُرضع ابنها.فنانون كثر اشتغلوا على رمز السمكة كالمغربي عبد الله الأطرش، والسوري يوسف عبدلكي، وعصام يوسف الذي قدم نموذجاً عن حركة الأنثى مع السمكة في إشارة إلى العطاء والحياة المتجددة.

لكن ما يقدمه السمهوري يختلف من حيث الفكرة والأسلوب. هو يقدم قصة إنسانية ترتبط ببيئة تشبه في ظروفها الحياة الغزاوية، وتعكس سيرورتها عن أهل البحر الذين يعيشون على مشارفه كل يوم من دون القدرة على الولوج داخله. هذا الحصار الذي يشمل الإنسان، كذلك يشمل البحر بما يحتويه من حيوات داخله.
السمهوري ابن البحر أيضاً. هاجر والداه من يافا إلى مخيم الحسين في الأردن. الفنان قام بالرحلة نفسها لكن بشكل معاكس قبل أربع سنوات، ففجرت مكنونات البحر التي حوصرت داخله لأكثر من خمس وثلاثين عاماً آنذاك، وفتحت أمامه آفاق البحث في مفهوم السمكة، وكيف لها أن تعيش داخل هذا البحر كل هذا الزمن من دون أن تفكر بمن يحق له اصطيادها وتربيتها، وكيف يمكن للغزاة أن يقيموا بدلاً منه على الشاطئ ويقتلوا أحلام السمك.
في رحلة البحث مع السمك، نكتشف كم لهذا الحيوان البحري أن يزهو بالحياة والحب والطاقة، وكم لديه من إمكانية لرسم الأمل وإعادة المهجّر المنفي إلى مكانه، في لوحات مزخرفة بكل هذا الكم من اللون، هي عكس الجاذبية، وعكس ما نتوقعه من وجع غزة المحاصر، بألوان تضج بالحياة.
في لوحات السمهوري، تآلفٌ خارج القانون. هو يجمع بين يافا وغزة، بين بيتٍ يحلم به وبحر يحق له أن يطل عليه، يمزج كل تلك الممنوعات ويضعها على سطح أعماله وهي فرحة بألوانها المبتهجة.