نالت كريستين طعمه أخيراً جائزة Audrey Irmas للتميّز في التنسيق الفني لعام 2015 التي يقدّمها «مركز دراسات التنسيق الفني» في «كلية بارد» الأميركية في نيويورك. إنها المرّة الأولى التي تقدم فيها تلك الجائزة لمنسق فني عربي، بعدما نالها كثر أمثال كاترين دافيد، وأكوي أنويزر. بطبيعة الحال، سعدت طعمة بتلك الجائزة العالمية.
لكن بعيداً عن ذلك، تقرأ في تلك الخطوة اليوم بداية تحوّل في نظرة الغرب واهتمامه بفهم أحداث منطقتنا عبر الأشخاص الفاعلين فيها، بعدما كان، وعبر منطق ما بعد كولونيالي، يموضع ذاته كعراب للفن المعاصر العربي. ذلك التحول في نظرة الغرب إلى المنطقة يبقى ــ بالنسبة إلى طعمة ــ نقطة يجب التوقف عندها، ومحاولة فهم تداعياتها، والبقاء حريصين أيضاً على نقدها. أسست طعمة «أشكال ألوان» في التسعينيات. حينها، كان للجمعيّة مكتب متنقل، ومشاريع كبيرة في صندوق سيارتها الخاصة. اليوم أصبحت «أشكال ألوان» أهم جمعية ثقافية في بيروت، ومن الأهم في العالم العربي، وتتخذ من مركزها في جسر الواطي فضاءً تنطلق منه إلى المدينة والعالم. مع تطور مشاريع «منتدى أشغال داخلية»، و«أشغال فيديو»، والإقامات الفنية وغيرها، أطلقت الجمعية قبل خمس سنوات «برنامج فضاء أشغال داخليّة» الذي جذب بفرادته فنانين لبنانيين وعرباً وأجانب.
بعد ٢٢ سنة، كبرت «أشكال ألوان». لذا، تجد طعمة أن هذا هو الوقت المناسب لرسم علاقة مختلفة لها مع الجمعية. «لن أتركها، لكننا في «أشكال ألوان» نبحث عن مدير يضخ نفساً جديداً فيها، بينما أبحث شخصياً عن رسم علاقة جديدة مع الجمعية، تغنيها عبر مشاريع جديدة أجريها خارج إطارها». قبل ثماني سنوات، بدأت طعمة العمل على تأسيس مجلس أمناء للجمعية، أصبح فاعلاً في تحديد سير عمل الجمعيّة اليوم.

كلنا مسؤولون عن التطرف والرجعية في لبنان والبلدان المجاورة
لاحقاً، سلّمت إدارة «برنامج فضاء أشغال داخلية» إلى أمل عيسى، بعدما كانت قد دعت عدداً من المنسقين الفنيين إلى مشاركتها في «إعداد منتدى أشغال داخلية» الأخير. وقد أطلقت الجمعية أخيراً، نداءً تبحث فيه عن رئيس إداري لـ«أشكال ألوان» ليبدأ العمل في نيسان (أبريل) المقبل، ويتسلم المهمة الإدارية عن كريستين طعمة.
من جهة أخرى، تجد طعمة حاجة ملحة لإعادة مساءلة دور الفن في المجتمع، وعلاقته بالمجتمع المدني. تقول «في التسعينيات، كان لدينا مشروع سياسي لمدينة وبلد خارجين من حرب أهلية. وضمن ذلك المشروع، تأسست «أشكال ألوان». أما مع ما يحدث حولنا حالياً، فعلينا أن نجد أنفسنا جميعاً مسؤولين عن نمو التطرف والرجعيّة في لبنان وسائر البلدان المجاورة. من هنا، جاءت الحاجة الملحّة للخروج من الفقاعة الانعزالية للفن، والعمل مع جمعيات المجتمع المدني للبحث معاً عن حلول ضمن ذلك المخاض». هكذا بدأت طعمة العمل مع جمعية «مرسى ــ مركز الصحة الجنسية» ضمن «منتدى أشغال داخلية»، حيث تخصص، في الخريف المقبل، مساحة في البرنامج للتشبيك بين الفن والجمعيات العاملة مع الفئات المهمشة في المجتمع.
صحيح أن الجائزة كانت مناسبة لإجراء نقاش مع طعمة، إلا أن أيّ متابع أو فاعل في الحياة الثقافيّة في لبنان يدرك تماماً الدور الذي لعبته في تطوير الحياة الثقافيّة في لبنان والمنطقة من دون الحاجة إلى جائزة من نيويورك لإثبات ذلك. غير أن طعمة أثبتت أنها حتى اليوم لا تزال مستعدة لمساءلة مشروعها، والإقدام على خطوات متجددة وجريئة تعيد عبرها تثبيت فعاليته في الحيز الثقافي والاجتماعي والسياسي. جرأة نحتاج إليها لدى المسؤولين في عالم الفن، كما في المجتمع المدني، بما أنه لا أمل يرتجى من مسؤولي الدولة.