دمشق | المشاركة السورية في «أيام بيروت» تتضمّن عناوين لافتة: جديد محمد ملص «سلم إلى دمشق» (راجع مقال الزميل خليل صويلح)، وثلاثة أفلام تسجيلية: «الرقيب الخالد» (2014ـ 72 د.) لزياد كلثوم، و«العودة إلى حمص» (2014 ـ 94 د.) لطلال ديركي، و«ماء الفضة – سوريا، سيرة ذاتية» (2014ـ 92 د.) لأسامة محمد ووئام سيماف بدرخان.
أشرطة سجالية جلية الالتصاق بالحدث السوري، ونقل ويلات الحرب وتبعات العنف. ظروف العمل ومحاذير الرقابة وطزاجة الحدث، غالباً ما فرضت الخيار التسجيلي. حمص «عاصمة الثورة» عامل مشترك بين فيلمي ديركي وأسامة وبدرخان. ركام المدينة القديمة يشكّل استوديو مفتوحاً على اتساع العدسة واحتفاء السينما. وقائع أقوى من الخيال ضمن مشاهد لا تصدّق. شخصيات غرائبية من لحم ودم. مواقع يعجز أعتى مهندسي الديكور عن محاكاتها. بدوره، يحضر محمد ملص وكواليس فيلمه الأخير أمام عدسة زياد كلثوم في «الرقيب الخالد» (13/3). هنا، يجد السينمائي الشاب نفسه مجنّداً في الجيش السوري للسنة الثالثة. يستيقظ على رنين المنبّه الصباحي، في ثكنته الواقعة قرب خطوط التماس (المليحة). ها هو يوثّق التناقض اليومي بين حياته العسكرية، وعمله السينمائي كمساعد لملص في «سلم إلى دمشق». يبرز كومبارس الفيلم وفنيّوه كنماذج إنسانية صارخة. التضاد بين السينما والعنف، والتباين بين رأي وآخر، يصنع السيرورة ويوجّه الدفة على امتداد الشريط. «الرقيب زياد كلثوم» مختلف عن ذاك الذي صوّر «آيدل» (2011) منذ بضع سنوات في الجزيرة السورية. الوثائقي الذي جال على نسوة كرديات لرصد معاناتهن، مغاير في الأسلوب والتيمة والطرح. يبقى تحرّي الخطر والممنوع ثابتاً في فيلموغرافيا المخرج السوري. بالحديث عن المغامرة، يمكن القول إنّ «العودة إلى حمص» (19/3) هو الأكثر إقداماً واقتراباً من النار. طلال ديركي خاطر مع أسامة الحمصي وقحطان حسون وعروة نيربية للأفلمة في قلب حمص المشتعلة. هذه قوّة التسجيلي في اعتماده وثائق حيّة مواكبة للحدث لحظة وقوعه، بعيداً عن الأرشيف والمواد الجاهزة. التحوّلات التراجيدية في التغريبة السوريّة، وصولاً إلى سيادة السلاح والاشتباكات، تُسرد من خلال شخصيتين: منشد التظاهرات الشهير عبد الباسط الساروت، والناشط أسامة الحمصي. حقق الشريط حضوراً طيباً في المهرجانات الدولية، حاصداً جوائز عدّة أبرزها أفضل وثائقي أجنبي في مهرجان «ساندانس» 2014.
كذلك، نال «ماء الفضة – سوريا، سيرة ذاتية» (20/3) جائزة أفضل وثائقي في «مهرجان إسطنبول للأفلام» الشهر الفائت، لتضاف إلى مثيلتها «غريرسون» في «مهرجان لندن» الأخير. الفوزان جاءا بعد عرض ضمن تظاهرة «عروض خاصة» في «مهرجان كان» 2014. السينمائي السوري المقيم في باريس أسامة محمد تعاون مع وئام سيماف بدرخان العالقة في الداخل الحمصي. ولّف ما صوّرته مع عدد كبير من مقاطع صادمة على اليوتيوب، وتعليق شعري سجّله بنفسه للخروج بـ «كولاج» سينمائي مؤثّر (توليف ميسون أسعد وداني أبو لوح وليا ماسون). فصول متتالية أرادها محمد من «ألف صورة وصورة، صوّرها ألف سوري وسورية. سوريّة واحدة، وأنا»، لملاحقة الجحيم منذ الشرارة الأولى.
شريط الصوت مدهش بالفعل بالمؤثرات وصوت نعمى عمران. محادثاته مع بدرخان على الفايسبوك، تقبض على البنية وتنقذها من التشظّي والضياع.