دمشق | للوهلة الأولى، ظننّا بأننا أخطأنا الطريق إلى خشبة «مسرح الحمراء» الدمشقي، ذلك أنّ مونودراما «قهوة مرّة» التي حملت توقيع حازم حداد مؤلفاً وممثلاً وسينوغرافياً ومخرجاً، بدت كأنها من بقايا اسكتشات مسرح همام حوت. نتذكّر هذا (المسرحي؟) الذي كانت ترعى عروضه إحدى ماركات المعكرونة المعروفة، لجهة التهريج أولاً، وإن سعى حازم حداد إلى النأي بنفسه قليلاً عن معلمه السابق، قبل أن يحجز الأول مقعده في باص ثورات الربيع العربي. مناخ العرض حلبي بامتياز: مواويل، وأغان، ودبكات، وأصوات قذائف، وتهجير، وممثل واحد يستدعي أرواح من غابوا، في ما أراده أن يكون مرثية لمدينة حلب. لكن حلب بتاريخها العريق وطبقاتها الحضارية المتعددة، وأطيافها المعمارية، لم تحضر. اختزلها الممثل في مربع صغير، كمن يرسم خطوطاً عشوائية على سطح القماشة. بائع قهوة مرّة في شوارع المدينة، فقد عائلته، وبات وحيداً، رافضاً أن يغادر «الحارة»، فهو ليس جزءاً من الحرب الدائرة اليوم. يتذكّر زوجته وأبناءه، وليلة عرسه، وجيرانه، وكيف فقدت الحارة ألفتها القديمة، بسبب المواقف المستجدّة والمتنافرة حيال ما تشهده البلاد اليوم، مستعيداً مفردات لطالما استنفدتها نشرات الأخبار ومواقع التواصل الاجتماعي، والمسلسلات التلفزيونية، مثل «معارض»، و»موالٍ»، مشبّهاً الأول بمن يحمل السلّم بالعرض، والثاني بمن يتعربش درجات السلّم، محاولاً الانتساب إلى تيارٍ ثالث هو «عجب الانحياز».
عرض بدا كأنّه من بقايا اسكتشات مسرح همام حوت
القفشة اللفظية الأخيرة، سنجد مثيلاتها في متن العرض، على هيئة استراحات لاصطياد ضحك الجمهور، وهو ما حصل مراراً، فالتراجيكوميديا موزّعة بالتساوي تحت بند متطلبات العرض الشعبي، في نسخة حلبية استضافها المسرح القومي في دمشق، من باب «تنويعات على المحنة السورية الراهنة». فقد سبق وشاهدنا عروضاً مشابهة، بالمستوى نفسه، خلال المواسم الأخيرة، وكأن المسرح السوري، في معظم عروضه، فقد بوصلته في رفد الخشبة بفرجة لائقة، ذلك أن مناوشة «الأزمة السورية» أصبحت ذريعة راسخة لاقتحام الهواة فضاء المسرح بنصوص هزيلة، وأفكار مسطّحة، وبكائيات تستدعي دموع الثكالى، من دون أن تحفر هذه النصوص في جوهر المشكلة، أو حراثتها وتقليب تربتها بعمق. ينافح بعضهم في تبرير هذا التوجه بأنه يكفي أن هذه العروض قد استعادت جمهور الخشبة بعد غياب. حسناً، هذه فضيلة، ولكن أين العرض؟
يكتب مخرج «قهوة مرّة» على بروشور العرض «قسماً بحجارة قلعتنا حلب، سنرجع دوماً إلى حيّنا». جيد، وبصرف النظر عن النوايا الحسنة، والتماعات أداء الممثل: القلعة لا تُستعاد بالرصاص الخلبي للفرجة المسرحية، أليس كذلك؟

* «قهوة مرّة»: حتى 12 آذار (مارس) ـــ «مسرح الحمراء» (دمشق) ـــ للاستعلام: +963112222016