حصاد الميديا 2015 | عام 2015 كان حافلاً بالأحداث المفصلية التي تركت أثرها على الإعلام الأجنبي، بدءاً بالاعتداءات الإرهابية التي هزّت فرنسا وغيرها، مروراً بأزمة اللجوء السوري في أوروبا، إضافة إلى الجرائم التي حدثت في مناطق أميركية مختلفة، وليس انتهاءً بالأزمة المالية في الميديا البريطانية. في بداية العام، ضجّ العالم باعتداء وُصف بـ «الأسوأ» منذ عقود. هاجمت مجموعة مسلحّة مقرّ صحيفة «شارلي إيبدو» الأسبوعية الساخرة في باريس وقتلت عدداً من صحافييها، بينهم رسامو الكاريكاتور الأربعة الكبار، على خلفية نشر رسوم قيل إنّها «مسيئة» للنبي. يومها، طُرحت أسئلة جوهرية حول الخطر الذي يهدّد الإعلام الفرنسي، وفي الوقت الذي هبّ فيه العالم للتضامن مع الضحايا، رفض جزء من المؤسسات الإعلامية التضامن من خلال إعادة نشر رسوم «شارلي» التي تتناول النبي، فيما نشرتها أخرى مموّهة، فاختفى شكلها ومضمونها. وفي تبرير عدم إعادة النشر، اعتبر مثلاً مدير تحرير «نيويورك تايمز» دين باكيت، ما حصل «إهانة متعمّدة»، وكتب أحد معلّقيها الثابتين، دايفد بروكس، مقالاً بعنوان «لستُ شارلي إيبدو»، منتقداً سلوك الصحيفة الفرنسية «العدائي» والاستفزازي.
وفي شباط (فبراير)، برزت بوضوح ازدواجية الإعلام الأميركي من باب جريمة «تشابل هيل». يومها، قتل مواطن أميركي ثلاثة طلاب أميركيين مسلمين من أصل عربي. هذه الجريمة دفعت كثيرين إلى المقارنة بين التغطية الخجولة التي حظيت بها جريمة «شابل هيل» في الإعلام الأميركي من جهة، والضجيج الذي أعقب وقوع اعتداء كوبنهاغن الذي سبقها بوقت قليل ومذبحة «شارلي إيبدو» من جهة أخرى. إلا أنّ الدور المحوري الذي لعبته مواقع التواصل الاجتماعي في فضح الجريمة، كشف مدى قدرة الإعلام البديل على الضغط على الإعلام التقليدي وإجباره على تغطية الحدث والبحث في دوافع ارتكاب الجريمة.
وفي صيف 2015، ظهرت أزمة حقيقية في إحدى أعرق الشبكات الإعلامية البريطانية: «بي. بي. سي». قالت «هيئة الاذاعة البريطانية» إنّها ستلغي أكثر من ألف وظيفة لأنّها تتوقع خفضاً بقيمة 234 مليون دولار أميركي في رسوم المشاهدة في العام المالي المقبل، بعد عزوف المشاهدين عن أجهزة التلفزيون وتوجهّهم إلى الإنترنت لمتابعة البرامج. bbc لم تكن الوحيدة لأنّ «عاصفة حقيقية» ضربت الجرائد المحلية كافة، مع انخفاض مستوى الإعلانات إلى مستويات غير مسبوقة، وصلت إلى نسبة 30 في المئة في بعض الأسابيع خلال ستة أشهر فقط. هكذا، نشر موقع «بوليتيكو» مذكرة داخلية تكشف نيّة الـ «غارديان» اتخاذ إجراءات «توفيرية حادة».
أزمة من نوع آخر طفت إلى السطح بعد ذلك بحوالى شهرين، تمثّلت في تزايد أعداد اللاجئين السوريين إلى أوروبا. جثة الطفل السوري إيلان كردي (3 سنوات) مُلقاة على أحد الشواطئ التركية إبان محاولة العائلة الهاربة من كوباني الوصول من بدروم إلى جزيرة كوس اليونانية. صورة صفعت ضمير أوروبا والعالم، وشكّلت نقطة تحوّل في الخطاب الغربي في ما يتعلّق باللاجئين. صارت هذه الحقيقة علمية وموثّقة، إثر نشر نتائج دراسة تحليلية جديدة أجريت أخيراً في جامعة «شيفيلد» البريطانية حول الموضوع. هذه المرّة أيضاً، دفع روّاد السوشال ميديا الإعلام التقليدي إلى الاهتمام بالخبر، قبل أن يصحو النجوم متأخرين ويدعوا سلطاتهم إلى احتضان الهاربين من نيران الحرب. أبرز هؤلاء كان المخرجَان المسكيكي ألفونسو كوارون، والبريطاني توم كوبر، والممثلة البريطانية تيلدا سوينتون.
ليس بعيداً عن اللجوء، استحوذت المصوّرة المجرية بترا لازلو من قناة N1TV المحلية على اهتمام مستخدمي الشبكة العنكبوتية والإعلاميين. أثناء تجمّع مصوّرين صحافيين لرصد لاجئين سوريين يهربون من رجال الشرطة في المجر عند معبر روسكي (جنوباً)، عمدت المصوّرة إلى مدّ رجلها أمام رجل سوري يحمل ابنه، ما أدّى إلى تعثّره وسقوطه أرضاً. هذا المشهد البشع وثّقه مراسل قناة RTL الألمانية ستيفان ريتشر في فيديو قصير (20 ثانية) نشره على تويتر، لينتشر كالنار في الهشيم في العالم الافتراضي، ويولّد حالة من السخط العارم، قبل أن تُطرد لازلو في النهاية من عملها.
تغطية جريمة باريس مقابل تجاهل ما حدث في برج البراجنة

تصدّر المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل المشهد كمدافعة عن قضية اللاجئين، لم يعجب اليمين الألماني المتطرّف. هذا النفس تجلّى عبر تعمّد القناة الأولى الألمانية ARD نشر صورة لميركل وهي تضع حجاباً وترتدي عباءة سوداء، ويظهر في خلفية الصورة مبنى «الرايخستاغ» (مبنى البرلمان «بوندستاغ») تعلوه مآذن ورمز الهلال. هذه الصورة المركبة عرضت في البرنامج الشهير «مجلة التلفزيون» الذي يبث من برلين، وكان وقتها يناقش قضية اللاجئين إلى ألمانيا الآتين من سوريا والعراق وأفغانستان.
بعيداً عن ذلك، استغنت TF1 في أيلول (سبتمبر) عن «ملكة الأخبار»، كلير شازال، بعد مشوار طويل وفي ظل غياب تفسير رسمي وكثرة التكهنات. حدث مشابه آخر طرأ على الساحة الإعلامية الفرنسية خلال الشهر الحالي حين سُرّبت معلومات عن تنحية قناة «فرانس 3» أشهر مقدمي برامج الألعاب والمنوعات جوليان لوبرس عن برنامجه Questions Pour Un Champion. ووسط الصمت المطبق حول الأسباب، وصفت الميديا المحلية الموضوع بـ «الزلزال الإعلامي».
بالعودة إلى الأحداث الأمنية، ضربت يد الإرهاب فرنسا في 13 تشرين الثاني (نوفمبر)، بعدما مرّت على منطقة برج البراجنة في ضاحية بيروت الجنوبية حاصدة عشرات الضحايا. هبّت الميديا الأجنبية لتغطية «المجزرة» التي وقعت في عاصمة الأنوار مقابل شبه غياب لها في اليوم الفائت عمّا حدث في العاصمة اللبنانية. وبعدما علت الأصوات المستنكرة للأداء الإعلامي الغربي، توجّهت أنظار هذا الأخير إلى «ست الدنيا»، لتتحدّث عن الإرهاب الذي حلّ بها، مخصصة مساحة للقصص الإنسانية المؤثرة للضحايا.
وإثر إعلان «داعش» مسؤوليته عن مجرزة باريس، أصبح التنظيم الإرهابي تحت نيران «أنونيموس» الإلكترونية. مجموعة القراصنة التي تُعتبر أحد أهم حلفاء «ويكيليكس»، والمصنفة سابقاً من قبل مجلة «تايم» الأميركية كواحدة من أكثر المجموعات تأثيراً في العالم، أعلنت الحرب على التنظيم الإرهابي وحلفائه، وتمكنت بالفعل من تسديد أهداف لا بأس بها في ملعبهم.
في كانون الأوّل (ديسمبر)، وقع هجوم في سان بيرناردينو في كاليفورنيا. لكن خلافاً لعادته وبعيداً عن استثمار حبّه للبروباغندا، لم يشأ الإعلام الأميركي تحويل المأساة إلى «هجوم إرهابي وحشي ضد أبرياء»، ولم يشغل به العالم. لم يشأ الصحافيون خلال الأيّام الثلاثة الأولى ربط الحدث الأمني بأصول مرتكبيه وبالسياسة الخارجية، ما يوحي بنوع من التعتيم أو الطلب الرسمي الذي أجبر معظم المؤسسلات الإعلامية المحلية على تهدئة اللهجة فجأة في خضمّ حرب عسكرية وإعلامية ضد مجموعات «إرهابية» متطرّفة.
في غضون ذلك، كان المرشّح الجمهوري للرئاسة الأميركية، دونالد ترامب، يواصل تصريحاته العنصرية التي لم توفّر الإعلاميين طبعاً، كما وصلت ارتدادات دعوته إلى «منع المسلمين من دخول الولايات المتحدة» إلى أماكن غير مسبوقة. فقد عمدت مجموعة من النجوم إلى تسجيل مواقفها الرافضة لكلام ترامب عبر السوشال ميديا من دون أن تسميه، بينهم مؤسس فايسبوك مارك زوكربيرغ، وبطل الملاكمة السابق محمد علي كلاي.