يخونني القلم وأنا اكتب عنك بصفة الزميل. ولو كان لي الخيار، لما كتبت عنك إلا كأخ وشقيق. ليس لأنّ ما جمعتنا به الأيام والليالي في سنوات قصيرة أكبر من أن تمحوه نهاية حياة فانية وبداية خلود ابدي، بل لأن في مسيرتك المهنية نحو دروب الموت المفتوحة، من العبر ومن الدروس ما لا نطيقه نحن البشر إلا بشق الأنفس. فمن أين لنا أن نصل إلى الطمأنينة بأننا في محطة فاصلة بين برزخ وحياة، كما حصّلت الطمأنينة أنت؟ ومن أين لنا أن نقرأ قصة رحيلك بيقين من أدرك من اليقين، ما فتح له أبواب الوصول إلى المراد؟ ولا أخفيك قولاً إنّ في هذه الحكاية أمراً لا يحتمله إلا من أراد حقاً الوصول إلى ما وصلت إليه.
هكذا أيها المودع بثقة عن أقل من ثلاث وثلاثين سنة، والمنتظر بعشق لحظاتك الملكوتية، ستكون حكاية رحيلك عبرة بالغة، تجسد انتصار الروح الباقية على الجسد الفاني وتعالي الروح على رهبة الموت.
حسن عبد الله، أيها المتمرد المتنقل بكاميرتك وقد أضحت لعبتك الصغيرة ومستودع أسرارك، من عطر البارود والأشواك إلى رائحة دماء الشهداء، ومن مشهد وصايا الشهداء والعناق مع صورة الأرواح المنتقلة من عالم البقاء، إلى تسلق الجبال نحو ملاحم الميدان مع رجال المقاومة. كان لك بجسدك النحيل ما أردت في مواقع سجد وعرمتى والريحان وشبعا وغيرها، وقد أشعلتها المقاومة بالنار ثأراً للوطن وأشلائه الممزقة.
أيها المتمرد المتنقل بكاميرتك وقد أضحت لعبتك الصغيرة

وكان لنا أن أحضرت صورة شهيد ورائحة الحرية ولوحة نصر. أليست عملية البياضة التي أجدت تصويرها قبل أن تحولها إلى فيلم يروي الحقيقة من دون مونتاج، لم تكن برأيك لتستحق سوى اسم شهيد؟ أليس كل ما حاولت تجسيده بالصورة والدراما، لم يكن سوى حكاية شهيد وقصص شهداء ومضحّين، فهل أدركت يا صديقي اليتيم أنك كنت تروي حكايتك أنت؟ حكايتك في «أيام مجيدة» وفي «سرية العشق» التي أحب اسمها السيد نصر الله، وغيرهما من الأفلام التي قمت بإخراجها؟
اعذرنا حسن إن لم نقوَ على مشهد رحيلك ولا شموخ كبريائك. اعذرنا لأننا نقولها وبأسف أنّ ثمة في بلادنا من باتت الشهادة فقط على مقاسهم، وأن لا عزاء للفقراء وأن العشرات من شهدائنا الذين يرسمون حدود الوطن هم شيك بلا رصيد! أُدرك أيها العزيز شغفك للقاء الشهداء الذين كنت تزين جدران مكتبك بهم، مروان طبوش وهيثم دبوق الذي ألهب فيك نار الشوق، وحبيبك حسين شلهوب وآخرون. اليوم تلتقي بهم طيفاً لطيف وروحاً بروح. أليس هذا ما توسمت أن تقوله في فيلمك «طيف اللقاء»؟ لكني يا صديقي سأعلن حزني لرحيلك، مع ثقتي بأنك عرفت مصيرك، وأن من لاحقتهم بعدستك، هيأوا لك عرس الانتقال إلى الجنان وجوار من أحببت. الآن يا أخي تستطيع النوم مطمئناً بأن لك بيتاً بجوار الشهداء تضيئه شمعة حب صغيرة لا تنطفئ، وتعمره السكينة والدفء، وفيه تنتظر الأصدقاء على ساعة وجد ومناجاة حتى الصباح.



«ذات مطر» آخر أفلام المخرج حسن عبد الله من سلسلة «مدد» (حكايا المقاومة الإسلامية) تعرضه «المنار» بعد غد الأربعاء (20:45) ـ بطولة باسم مغنية ووفاء شرارة.