حصاد الميديا 2015 | متغيرات عدّة طبعت مشهد الإعلام الفضائي هذا العام. دخلت منظومات إعلامية بثقلها، فتفوقت على الأعمال العسكرية، خصوصاً في ما يتعلق بالعدوان العربي الخليجي على اليمن في نيسان (أبريل) الماضي. ترافق هذا المشهد مع ولادة فضائيات عربية، بعضها انطفأ سريعاً كقناة «العرب» للملياردير الوليد بن طلال، والآخر مستمر كقناة «العربي» والنسخة العربية لـ «هافنغتون بوست» الأميركية المموّلتين قطرياً. هذا العام أيضاً شهد دخول روسيا الحرب السورية. أمر استدعى تغييراً في المعادلة العسكرية والإعلامية على السواء، كما كان لتدفق اللاجئين السوريين إلى أوروبا الأثر الأكبر على المواكبة الإعلامية والإنسانية لهم على حدّ سواء.افتتح العام مع انطلاق قناة «العربي» المندرجة ضمن «شبكة التلفزيون العربي» التي تعمّدت تزامن ولادتها مع ذكرى "ثورة يناير" المصرية تحت شعار «من الألف الى الياء». كانت الأجندة واضحة منذ اليوم الأول للقناة الوليدة، لكنها موّهتها بشعارات رنانة كمناصرة القضية الفلسطينية، ودعم الشباب العربي وتأمين منبر إعلامي لهم. وسرعان ما سقطت «ورقة التوت» حين فصلت القناة ستة صحافيين مرموقين من جنسيات عربية مختلفة على خلفية ما قيل وقتها عن «أجندة مخفية» تضع ثقلها فقط في مناهضة النظام المصري الحالي، وترك جانباً كل ما هو علاقة بالمهنة والاستقلالية (ولو بجرعات قليلة). بعد هذه الانطلاقة، أتى دور خروج «هافنغتون بوست» بنسخته العربية مع تولي المدير السابق لقناة «الجزيرة» وضّاح خنفر دفة القيادة. نسخة لم تكن مغايرة عن الخط الإخواني الذي ينتهجه خنفر، فأتى محتوى الموقع هزيلاً مهنياً وتحريرياً.
ولادة قناة «العربي» والنسخة العربية من «هافنغتون بوست» المموّلتين قطرياً

ولادة «العربي» استتبعها بعد شهر تقريباً، خروج قناة «العرب» الموعودة من البحرين لمالكها الوليد بن طلال. قناة إخبارية تضع ثقلها في الاقتصاد، أرادت أن تشكل رديفاً للقنوات السعودية الباقية، لكنها سرعان ما أنطفأت بعد اقل من 24 ساعة على انطلاقها بسبب استضافتها لمعارض بحريني في استديواتها. ومع إقفال «العرب» بالشمع الأحمر، عيّن الصحافي السعودي تركي الدخيل المقرّب من الملك سلمان بن عبد العزيز، مديراً عاماً لقناة «العربية» بأمر من رئيس مجلس إدارة مجموعة mbc وليد بن إبراهيم آل إبراهيم. هذه القناة فرضت مشهداً إعلامياً مغايراً غداة العدوان السعودي على اليمن. تغطية القناة السعودية لهذا العدوان اتكأت على الحرب الإلكترونية والافتراضية في الدرجة الأولى. عالم نجحت فيه وثبتت دعائم دعايتها العسكرية والإعلامية بشكل كبير، لا سيما مع ضعف الجبهة المقابلة اليمنية وحلفائها. هكذا، سيطرت البروباغندا السعودية على الفضاء مع مواصلة عمليات التضليل والفبركة، ساعدتها في ذلك القبضة المحكمة على الفضاء العربي وغياب الصورة المقابلة من اليمن الفقير. مقابل ذلك، كانت قناة «المسيرة» التابعة لحركة «أنصار الله» (الحوثيون) الصوت الوحيد في هذا العدوان. ورغم امكانياتها المتواضعة، الا أنها تعرضت لشتى أنواع التشويش ومحاولات كتم صوتها.
لعلّ أبرز حدث سعّر الخلاف في الفضاء العربي، وقوع حادثة تدافع منى خلال موسم الحج. حادثة أوصلت الخلاف السعودي الإيراني الى أوجه وأخرجت معها خطاباً سياسياً وإعلامياً تحريضياً لم يسبق له مثيل في تاريخ الدولتين. جدل تكرر بشكل أوسع مع دخول روسيا الحرب عسكرياً في سوريا، فانطلق هجوم شنّه الإعلام الخليجي والغربي الناطق بالعربية. وكالعادة، لم تتوان المنابر الخليجية عن استخدام "سلاحها" المعتاد في النفخ في نار المذهبية المقيتة. وحين اتهمت روسيا باستهداف المدنيين بالغارات الجوية، استخدمت روسيا أبرز أسلحتها الإعلامية الا وهي قناة «روسيا اليوم» الناطقة بالعربية. هكذا، خرجت القناة من استديواتها، وتوجهت الى الميدان السوري المحتدم، وكانت ذراعاً دعائياً إعلامياً بامتياز لموسكو في التركيز على أن دخول الروس الحرب السورية أتى فقط لمحاربة «داعش» وأنّ القصف يستهدف نقاطاً عسكرية بخلاف ما يشاع في الجهة المقابلة.
سوريا المثخنة بالجراح التي شبّه كثيرون ما يحدث على أراضيها بالحرب العالمية الثالثة، شكّل تدفق أبنائها الى أوروبا، حدثاً مفصلياً في 2015، خصوصاً بعد انتشار صورة الطفل إيلان الكردي الذي قضى غريقاً على أحد الشواطئ التركية. تدفق عرّى التعامل السيئ والعنصري لبعض الدول الغربية مع اللاجئين، خصوصاً على الحدود الصربية المقدونية. كان مشهداً مأساوياً أبكى العالم فعلاً، وما زال كلنا يتذكر رسالة الإعلامي في قناة «الميادين» موسى عاصي الأبلغ في هذا المجال. عاصي الذي رافق السوريين في رحلتهم الى أوروبا، لم يستطع منع دموعه من الانهمار على الهواء مباشرة بسبب هول ما شاهده وعاينه من تراجيديا بالغة دمغت هؤلاء المهاجرين.