حصاد الميديا 2015 | حال الإعلام في فلسطين في 2015 لم يختلف عن الأعوام التي سبقت. كل ما اختلف هو ارتفاع نسبة الانتهاكات التي تعرض لها الصحافيون والمؤسسات الإعلامية، سواء من طرف الاحتلال أو من طرف السلطة الفلسطينية وحكومة حماس. سلسلة الانتهاكات الإسرائيلية تواصلت وازدادت حدتها باندلاع الانتفاضة الجديدة نهاية أيلول (سبتمبر) الماضي، وسُجلت مئات حالات الاعتقال والضرب وتكسير المعدات لصحافيين كانوا أيضاً هدفاً مباشراً لبنادق الاحتلال أثناء تغطيتهم للأحداث. الكثير من تلك الحالات وثَّقتها الكاميرات كإصابة مراسلة «الميادين» هناء محاميد بقنبلة صوتية أصابتها في وجهها. وشاهدناها تظهر بعدها على الشاشة متحدثة بوجه تلفّه الضمادات، واعتداءات أخرى كثيرة تعرَّض لها صحافيون أجانب وثَّقتها الكاميرات وشاهدناها في مقاطع فيديو على الـ «يوتيوب»، لكنها لم تظهر في القنوات أو الصحف التي يعملون لحسابها، كما حدث مع مصوري «وكالة الأنباء الفرنسية» حين تم الاعتداء عليهم بالضرب وتكسير معداتهم. سلسلة الاعتداءات الإسرائيلية لم تقتصر فقط على الصحافيين، بل طالت المؤسسات والمكاتب الإعلامية. هكذا، أغلق جيش الاحتلال ثلاث إذاعات محلية (منبر الحرية، دريم، إذاعة الخليل) وبعث رسائل تهديد بالمصادرة والإغلاق إلى عدد من المؤسسات الإعلامية الأخرى. أما الانتهاكات المحلية، فتولتها كل من السلطة الفلسطينية في رام الله والسلطة في غزة، وتمثّلت في الاستدعاءات والاعتقالات وممارسات التنكيل بحق كتاب ومراسلين على خلفية كتابة مقالات أو تقارير لم ترق لهم، إضافة إلى إغلاق مكاتب ومصادرة معدات.
القنوات الفضائية الفلسطينية حافظت على غيابها، وظلَّت عاجزة عن كسب الثقة أو عن تغطية الأحداث الجارية في الأرض المحتلة. استمر «تلفزيون فلسطين» (الرسمي) في سقطاته الإعلامية، وتوزعت كوميدياه السوداء بين أغنية «إزرع ليمون إزرع تفاح» ـ دعت صراحة إلى ترك السلاح والاكتفاء بالزراعة ـ وبين استضافة مهرج الإعلام المصري توفيق عكاشة.
حالات وثَّقتها الكاميرات كإصابة مراسلة «الميادين» هناء محاميد بقنبلة صوتية

ومع تصاعد التوتر بين فتح وحماس؛ ظلَّ التناطح الإعلامي وتبادل الاتهامات حاضراً بين «تلفزيون فلسطين» و«تلفزيون الأقصى» التابع للحركة المسيطرة على غزة، بينما استمر الناس معتمدين على بعض القنوات العربية في متابعة ما يجري على أرضهم، وخصوصاً قناة «الميادين» التي برزت إلى الواجهة بالتزامها بالقضية وبتغطيتها الواسعة في المناطق المحتلة كافة، ذلك بعدما كان كل من "الجزيرة" و"العربية" يستحوذ على أعلى نسب مشاهدة. وهذا ما يمكن لمسه بشكل واضح عند إجراء أي استطلاع رأي بسيط في الشارع الفلسطيني، الذي تفاعل أيضاً مع قضية إيقاف بث "الميادين" عن قمر "عربسات"، إذ خرجت بعض المؤسسات والأحزاب بحملات تضامنت مع القناة واستنكرت موقف "عربسات" الذي تسيطر عليه المملكة السعودية.
حال الصحف المطبوعة لم يختلف كثيراً عن حال القنوات الفلسطينية، ولم تحصل أي معجزة خلال العام تدفع المواطن العادي إلى شرائها واعتمادها كمصدر للمعلومة، وكادت أن ينحصر جل مهامها كأرضيات مناسبة لأطباق الحمص والفول.
أما الإذاعات الفلسطينية فكان أداؤها الإعلامي أفضل بكثير من المرئي والمطبوع. العديد منها نأى بنفسه عن المهاترات الحزبية وظلَّ قريباً من الشارع وأحداثه، وحافظ بعضها على لغة نقدية جريئة تجاه الأوضاع المعيشية والسياسية. هذا قد يفسر تركيز الاحتلال على استهدافها في الفترة الأخيرة. ونشير هنا إلى الإذاعة الفتية 24fm التي استطاعت خلال وقت قصير من انطلاقها أن تحظى بجمهور واسع وأن تلفت انتباه المستمع.
وبالرغم من "عجقة" المواقع الإخبارية على الشبكة العنكبوتية، إلا أن المحتوى الإلكتروني الفلسطيني ظل ضعيفاً مسيطراً عليه من قبل التوجهات الحزبية من ناحية، تنقصه الإمكانيات والكوادر الصحافية والمهنية من ناحية أخرى، بينما خطف الفايسبوك معظم كُتاب المدونات لينتقلوا إلى الكتابة على صفحتهم الزرقاء الأكثر إغراء وجماهيرية والأكثر جذباً لـ"اللايكات".
الإعلام الفلسطيني كحاله في الأعوام السابقة؛ مضروب بلعنات أبرزها الاحتلال والانقسام. مسروق ومنهوب ومصادر ويشبه كثيراً أرضه المحتلة. تقرير مفزع خرج عن مركز «مدى للحريات الإعلامية» حول الانتهاكات بحق الإعلام في النصف الأول من العام الفائت. سجل التقرير 224 انتهاكاً، 114 قام بها الاحتلال و110 قامت بها السلطة الفلسطينية وحكومة «حماس»، بفارق أربعة انتهاكات فقط! وما يدعو إلى السخرية والأسى أن وزارة الإعلام التابعة لحكومة السلطة الفلسطينية نفسها كانت قد وجَّهت رسالة للأمين العام بان كي مون في الشهر الماضي تدعوه إلى ضرورة التدخل العاجل لتفعيل قرار الجمعية العامة رقم 2222 القاضي بحماية الصحافيين الفلسطينيين. ولكن، «كيف لفاقد الشيء أن يعطيه» يا وزارة!