بيت لحم | احتضن «المركز الثقافي الألماني» في رام الله أخيراً معرض «الحاضر الغائب» لنسرين أبو بكر (1977 ـ مولودة في قرية زلفة) بنت الداخل المحتل. تنوّع المعرض بين الفيديو آرت (اسم علم مؤنث) و5 أعمال تركيبية و10 لوحات مرسومة، على أن يجول لاحقاً على بقية المدن الفلسطينية كنابلس والقدس والخليل. تطرح الفنانة أسئلة بصرية بين الضدين، وتعمل في مشروعها البحثي على تقديم رؤيتها لهذا التباين بين القوي والضعيف، الضحية والجلاد، الحاضر والغائب...
كل هذا التضاد يأتي إثر إشكالية الهوية الفلسطينية التي تعيش بين الواقع والفكرة، خصوصاً في الداخل المحتل، وما تعكسه من مشكلات اجتماعية وسياسية إثر هذا التفريق والتجزئة. قلبها الذي ينتمي إلى كل فلسطين، تعكّره يومياتها التي تمرّ عبر تدقيق رياضي لا يقبل الخطأ، هو القانون «الإسرائيلي» الذي يفرض شروطه وظروفه على المصطلح واللغة، وحتى كيف تسير في الشارع... شعور الرقابة الدائم والبحث عن أخطائك باعتبارها جريمة فلسطينية يجب المعاقبة عليها. هذه كلها تخلق مشكلة للفنانة التي تنشغل في كيفية تجاوز المسائل الشائكة وأيهما أحق في البحث: المسألة السياسية أم الاجتماعية؟ تطرح أبو بكر مشكلتين مركبتين في معرضها: الأولى ذات بعد سياسي يتعلق بالهوية، وعلاقتها مع المكان عبر ما تفرضه «دولة» الاحتلال من قوانين على فلسطينيي الداخل منذ عام 1948 وعدم قدرتهم على استرجاع أراضيهم وبيوتهم وذاكرتهم، والثانية حضور المرأة وما تواجهه من أزمة اجتماعية في تحديد دورها وحريتها بعيداً من التفاصيل اليومية التي تُفرض عليها بشكل مباشر وغير مباشر. وتقدم الفنانة مجموعة أعمال من جانب أنثوي/ نسوي تتجاوز فيه جسد المرأة المهمش والمشوه والعاري، وتقدم خطاباً بصرياً يعرض مشكلة المرأة تحديداً كما في فيديو «اسم علم مؤنث» (7 د). هنا، تظهر الفنانة بلباس أبيض، ممددة على صندوق أبيض، صُفّت بالقرب منه خمس كراس، تجلس عليها أربع فتيات يرتدين لباسهن المدرسي، ويصرخن في وقتٍ واحد: «بابا، ماما».
يهجئن الكلمات كمن يتعلم النطق، ثم تقوم كل فتاة بالتهجئة وحدها تتبعها الأخرى في إيقاع متصاعد مع تصفيقٍ متصاعد أيضاً يعبر عن الرفض ومواجهة الخوف، والصراخ في وجه الاختناق. رمزية اللباس الموحد تعكس حالة «الطاعة» والرضوخ التي تنفذها المرأة كضحية للبيت والمؤسسة والقانون. وتؤكد الفنانة ذلك من خلال استخدام كلمة «بابا» المكررة، في حين ترد «ماما» مرة واحدة. ونرى ذلك أيضاً من خلال جسد المرأة الممدد في منتصف المكان كأنها في حالة موت نفسي وثقافي.
نسرين هي أخت لأربعة أشقاء يعملون في البناء والترميم. تكوّنت علاقتها الفنية مع مخزن الوالد الذي يمتلئ بمواد البناء والدهان والإسمنت.
انعكس هذا الإرث في استخدامها مواد الإسمنت لاحقاً كما في عمليها «جدار فاصل « و»الرصاص المصبوب». في عملها التركيبي «جدار فاصل»، تستخدم مادة الإسمنت المصبوب داخل «بلاطين الجينز» في نظرة نقدية إلى واقع جدار الفصل العنصري، ورسم ملامح يومية للعامل الذي يتحول يومه إلى أفكار اسمنتية، بين القفز عن الجدار الإسمنتي للوصول إلى العمل، ويومه المليء أيضاً بالحديد والإسمنت. من خلاله، تحاول الفنانة أنسنة المشهد وإعطاءه قيمة حسية لمادة صلبة بشعة يعاني منها العمال كل يوم. وبالنظر إلى الأعمال التي تعرضها أبو بكر، فإنّ الفيديو والأعمال التركيبية تقدم نموذجاً مختلفاً في عرض أفكارها. تربط بين ماضيها الشخصي والواقع الحالي. تعيد تركيب العلاقة بين هذه الأزمنة، محافظةً على تقديم صورتها الأنثوية وحضورها في نقد الواقع التي تعيشه المرأة وكذلك قدرتها على المشاركة السياسية والدفاع عن حقها في الوجود.
نسرين أبو بكر خريجة «كلية بيت بيرل» (2006) شاركت في أكثر من معرض محلي ودولي. وآخر معارضها حمل عنوان «خلل» وقدّمته العام الفائت في ألمانيا. تنشغل أبو بكر في تقديم أعمال تعكس الطابع الأنثوي، وقدرتها على المشاركة في السياقات السياسية والاجتماعية.