«الست نجاح والمفتاح»: الفكاهة تفرقع من لغة الشارع!

  • 0
  • ض
  • ض

أعادت «الست نجاح» إحياء خشبة «المركز الثقافي الروسي» بكثير من الضوء. ضوءٌ خرج من شاشة التلفزيون الزرقاء ليلاقي الجمهور وجهاً لوجه ويستمع لسلسلة من الضحكات التي لن يبعدها أسى اللحظة. «مرت عمي نجاح» شخصية مسلسل «حلونجي يا اسماعيل» الذي عرض على شاشة المستقبل في منتصف التسعينات، باتت أشبه بالأيقونة بجاكيتتها الجوخ العسلية. في جينيريك المسلسل، كان اسماعيل يستنجد بزوجة عمه نجاح «مرت عمي نجاح داريني عطريق الشهرة حطيني...رح طق». وكانت ترد عليه «طوّل بالك عحالك يا خي». في عرضها المسرحي الجديد «الست نجاح والمفتاح»، لم تبتعد عايدة صبرا عن جو الجينيريك. هي تسكن الآن في مبنى من مباني بيروت ولا تملك إلا هدفاً بسيطاً: الخروج من المنزل لتفتح محل الحلويات صباحاً. وإذا بها تعلق في المصعد الكهربائي لساعة ونصف ونحن نراها تستقبل وتودّع جيران بنايتها وبعض الوافدين خصيصاً لدى معرفتهم بالحدث. شخصيات نمطية تأتي لتزيد كاريكاتورية موقف احتباس الست نجاح داخل المصعد. معظم من صادف الست نجاح في هذا الموقف إما يريد أن يستغل طيبتها أو لا يبالي. تنتهي معظم مشاهد العرض بصراع خارج المصعد بين بعض تلك الشخصيات، وعبثاً تحاول الست نجاح - العنصر الأضعف الذي تعتريه حاجة قصوى للمساعدة- ترطيب الأجواء. بين مالك المبنى (باسل ماضي) الذي يعطي بطاقته لجميع من يصادفهم من دون أن يتردد في إبلاغهم بسبب أو من دونه أنه مترشح للانتخابات، والناطور (ايلي نجيم) الذي يضيع بين طلبات هذا وذاك، تساعده في ذلك ذاكرته الضعيفة جداً وبساطته، والجارة الأولى والجارة الثانية والصحافية والشاعر، يمر الوقت بإيقاعٍ سريعٍ جداً وننتقل من مشهد إلى آخر في سياق محبوك لأحداث تصاعدية حيث تفرقع الفكاهة مستحضرة لغة الشارع ويوميات الناس: من مسرب المجرور المفتوح بالقرب من المبنى الذي وقع فيه الجميع في سياق العرض، إلى تحوّل الإعلام إلى وحش يقتات من مآسي الناس، إلى الفواتير التي لا تتوقف، إلى هالة «محلّو»...

نص هزلي أجاد وضع هموم الناس في إطار كوميدي وحرفة كبيرة في الأداء
حضرت المدينة بأصواتها وموفديها رغم أن فضاء العرض حُصر بمصعد تحيطه باحة. كلما ضحكنا، كلما ازداد الموقف مأساوية وكلما تسارع الإيقاع وعلا ضغط الست نجاح أو زاد منسوب الأدرينالين لديها حسب الآلة التي أدخلها موفد «محلّو» إلى المصعد بغية مساعدة الست نجاح في مصابها. آلة لرصد نبض القلب، والتنفس، وتبدلات المزاج. آلةٌ مرفقة بصوت وكلمات: سيروتونين، دوبامين، أدرينالين. تلاعبٌ بالكلمات في حين يؤطر الضحك مأساة معيوشنا وما زالت جاكيتة الست نجاح صامدة. صامدة منذ أيام المغول. في لحظة من لحظات العرض، تصبح جاكيتة الست نجاح رمز المدينة الصامدة، القوية، الجميلة التي نبنيها بين مسامات جلدنا، لكن هذه الصورة في الواقع غير موجودة. حادثة مسرب المجرور كانت كافية بكل دلالاتها لوصف المدينة المستنقع التي وقع فيها الجميع باستثناء الست نجاح كما لو أنه في حادثة «علقة الأسنسير» تلك، كانت الست نجاح معلقة خارج زمن المدينة وحين خرجت إليه، استحال العيش. أجادت عايدة صبرا اختيار ممثليها. ضبطت ايقاع عرضها بإتقان وقدمت نصاً شعبياً محبباً وطريفاً بحبكة مستمدّة من روحية الفارس (Farce) معتمدة على نمط أداءٍ بمعظمه «غروتسكي» ومضخم. وحدها الست نجاح كانت مختلفة في نمط أدائها الذي كان أقرب إلى الأداء العفوي منه إلى التضخيم، في حين بدا حضور شخصية الشاعر المثقف (عبد الرحيم العوجي) في آخر العرض متأخراً ولم يستطع إضافة أي بعد جديد للحبكة أو إضافة لعب كاريكاتوري مختلف عن شخصية الشاعر رغم جودة أداء العوجي. ويصح القول إنّ هذا العرض كشف موهبتين ملفتتين هما ايلي نجيم وسهى نادر. مشهد الهلوسات الذي لعبه نجيم، ناطور المبنى بعدما أخذ حبوب الدواء ينّم عن مستوى احترافي، كما جسدت سهى نادر ببراعة كبيرة شخصيات عدة منها الصحافية والجارة السوقية المولعة بالتسوّق. ساعدت سينوغرافيا العرض التي اتسمت ببساطتها (غرفة من إطارات خشبية وفضاء مفتوح وإضاءة لا تتغير) على إبراز اللبنتين الأساسيتين التي جعلتا هذا العرض يستحق المشاهدة: نص هزلي أجاد وضع هموم الناس في إطار كوميدي وحرفة كبيرة في الأداء. مفتاحان لمتعة الفرجة على خشبة «المركز الثقافي الروسي». * «الست نجاح والمفتاح»: حتى 13 ديسمبر ــ «المركز الثقافي الروسي» ــ للاستعلام: 01/790212

0 تعليق

التعليقات