محمد عبد العزيز *في الفناء الخلفي لمنزلي، ثمّة شجرة ليمون تبعد عن منزل عمر صفين من الأبنية، وربّما ثلاثة. خمس حبّات ليمون صفراء شموس الذاكرة. أربع سنوات مرّت. أجلس على الدرج. يمرّ طيف عمر بحضوره الرخيم. تهبّ نسمة هواء باردة. تهتزّ الأغصان، وتعود ساكنةً. أقول لنفسي: «ربّما كان في الأرجاء». أدرك أنّ الموت تحوّل صيغةً فيزيائيةً أخرى للقراءة. ذرّات ضوء. فوتون. سباحة في الوعي الكلي الكوني المطلق. تردد. إشارة. دلالة. حقيقة مضافة. هنا، منبع ذاك الشعور بالحضور. صوت المدفعية الثقيلة من بعيد.

عودة الصدى الكتيم للقذيفة. أسمع صدى صوته الرخيم لآخر مرة سمعتها وسط دمشق، وهو يمرّ بقربي: «كيفك محمد؟». على حافة قبره، كنت أقف مع الحشد المودّع أشاهد جسده يوارى. «فريم باي فريم» كل منّا يرمي حفنة تراب. بكثير من الحب دفن، وبكثير من الحب سنتذكره. بكثير من الحب ومن النبل والصدق والشجاعة، صنع سينما عجز أغلبنا عن مقاربتها.
أمام شجرة الليمون أجلس. خمس حبّات صفراء، شمس للذاكرة. ظلام الإسلاميين يحلّ بكل سواده، ويرخي بظلّه الثقيل على البلد. يخرج «فيد إن» كادره الأخير: تلك النافذة الغارقة في الظلام، وفي الخلف جامع قيد الإنشاء، كتيماً صلداً يحضر.
* سينمائي سوري