القاهرة | مستخدماً تنويعة من فنون التعبير، جسد المخرج هشام علي في مونودراما «الحفرة» الحالة الخانقة التي يعيشها المواطن المصري، فتكسر كرامته وتدفعه إلى التقوقع داخل ذاته أو حفرته الخاصة. العرض الذي قدم قبل أسابيع على خشبة «الهناجر» في القاهرة، هو ثاني إنتاج لمشروع تبنته مديرة المسرح أماني يوسف، يهدف إلى تقديم عروض شبابية متواضعة الكلفة بالتوازي مع عروض الميزانيات الأكبر.
منذ البداية، وظف المخرج خلفيّته كابن لـ«مسرح القاهرة للعرائس»، مستهلاً عرضه بـ «ماريونيت» تمثل شخصية بطله شحاته صابر محجوب جالساً على مقهى، طارحاً تساؤلاته عمّا يتناوله الإعلام وأحاديث الناس اليومية من مواضيع مهمة أو تافهة، وتغوّل الشرطة في مشهد تحاصره فيه نماذج «البيادة» وأحذية الأمن والجيش.
تتوالى تداعياته، ومنها ندخل إلى عالم العرض بديكور يمثل حالة شخص وجد نفسه في حفرة (أدى دوره يحيى محمود)، محاطاً بأكوام من المخلفات والقمامة، بينما تهبط من أعلى المسرح ستائر تؤطر موقع الحفرة، ويتدلى سلم قصير لا يصل إلى الأرض، كأنه استخدم للهبوط من دون أمل في استخدامه للصعود. لاحقاً، تتدلى حلقة تضم لفائف من قصاصات أوراق، وفي خلفية المسرح حبال وسلاسل على الجانبين تتوسطها شاشة بيضاء، استخدمت لعرض مقاطع فيديو لبطل العرض.
العرض الذي قدم على خشبة «الهناجر»، يضيء على الصراع المستمر على الحريات

بالتوازي، يستحضر المخرج نموذج عروسة أخرى، على شكل هيكل عظمي، ليخلق بها علاقة تفاعلية مع ما يمكن اعتباره «كياناً مجرداً»، يرتدي زياً مطاطياً أسود رسم عليه بالألوان بنفس هيئة الهيكل العظمي (لعبها الراقص عمر فاروق) كنموذج للسلطة القاهرة لرعيتها. عبرها، قدّم المخرج مستوى ثانياً لوعي ساكن الحفرة بأحلامه، عبر تداعيات متنوعة يهجو فيها توحش الشرطة التي ألقت به وسط القمامة بعدما أوسعته ضرباً وكسرت أنفه، حتى يكفّ عن «شمّ رائحة الفساد». قال له القامع: «علشان تبطل تتنفس في الممنوع» في إشارة إلى «ثورة 25 يناير»، جاعلاً التنفس مرادفاً للحرية والحق في التعبير.
من دون ادعاء بالغموض، تتفتح عناصر النص ببساطة، لنعايش تفاصيل شخصية بطله التي هدمتها مشاعر القهر والإهانة. فهو محاسب في شركة المحلة للغزل والنسيج التي مارس عمالها حالة احتجاج متنامية في السنوات الأخيرة لحكم الرئيس الأسبق حسني مبارك، وعُدَّت إرهاصاً لـ«ثورة يناير».


تفادى المخرج المباشرة في التعبير، محافظاً على مناخ الحالة الكابوسية، وتوالت تلقائياً دلالات الصراع المستمر على الحريات، وتوحش أجهزة الأمن، مخلفاً ضحاياه من الأبرياء، ما كان أهم أسباب «ثورة يناير». في نهاية العرض، عاد بنا إلى الماريونيت/ الرجل الجالس في المقهى، تخنقه همومه وعذاباته حتى يسقط صريعاً قتيلاً أو منتحراً. المخرج هشام علي ممثل وفنان عرائس وراقص ومصمم استعراضات، وظّف في عرضه كل هذه العناصر بانسجام تام، واصفاً اختياره لهذه العناصر بأنه «موضوعي، فرضته طبيعة العرض والشخصية». وهو صاحب فكرة النص الذي كتبه عبد الحميد منصور للمرة الأولى عام 2008، وطورته، هذه المرة، ياسمين فرج، ليتواكب مع التغيرات المتلاحقة في مصر.