تونس | كيف نواجه توحش الانسان؟ كيف نواجه قحط الروح الخاوية؟ كيف نواجه غول العنف الساكن فينا؟ يتساءل المخرج التونسي علي اليحياوي في تقديمه لمسرحيته الجديدة «كعب الغزال» التي أنتجها «المركز الوطني للفنون الدرامية والركحية بمدنين» (جنوب شرقي) عن نصوص للروائي الليبي ابراهيم الكوني. قدم المركز أخيراً العرض الأول لـ «كعب الغزال» في قاعة «المونديال» في العاصمة التي كانت تحمل اسم الفلسطيني هاني جوهرية. المسرحية محمّلة بالأبعاد الرمزية من خلال قصة الراعي «اسوف» الذي يستوطن الصحراء جسداً وروحاً وكينونة.
تبدأ الحكاية عندما يجد نفسه في مواجهة مع قابيل ومرافقه مسعود برفقة ضابط فرنسي مدججين بالسلاح، شغوفين باصطياد الغزال. تتحول الصحراء بلا نهائيتها وما ترمز اليه من أفق ومحبة وصفاء وانطلاق وحرية الى مركز صراع دموي يموت فيه الغزال ويتحول «اسوف» الى حيوان «الودان» بما يرمز اليه من قدسية في الأسطورة.

تفضح المسرحية توحش الانسان وثقافة القتل والاغتيال من خلال ادمان قابيل (الكيلاني زقروبة) وخادمه مرزوق (فرحات دبش) برفقة الضابط الفرنسي جون (عبد الباسط الشاوش) على صيد الغزال الذي يتعرض لإبادة في الصحراء الكبرى التي تعد مدينة مدنين إحدى بواباتها التونسية.
تحمل «كعب الغزال» مستويين من التعبير، الأول ظاهر والثاني باطن. إنّها صرخة احتجاج ضد القضاء على البيئة بالصيد العشوائي للغزال والحجل وطير الحبارى الذي يتعرض لابادة من أثرياء وأمراء الخليج في صحراء تونس.
ورغم احتجاجات جمعيات البيئة، إلا أنّ الجريمة متواصلة منذ سنوات، إذ يعتقد هؤلاء الأمراء أنّ طائر الحبارى مقوٍ جنسي! لكن هذا ليس إلا ظاهر المسرحية.
مستويان من
التعبير الأول عن البيئة، والثاني عن التحالف مع القوى الخارجية
علي اليحياوي يعد أحد المخرجين الشباب الذي برزوا بمقارباتهم الجمالية في السنوات الأخيرة. انطلق من نصوص ابراهيم الكوني الذي جعل مدونته الروائية تيهاً في الصحراء الكبرى ونشداناً للالتحام مع المطلق، مستحضراً هذه الواحة بأساطيرها وشخوصها ونباتها ورملها وسمائها.
على ركح عار الا من بعض الأشجار المحطمة والرمال بأمواجها التي صنعها الضوء، قدم اليحياوي ــ على مدى ساعة والنصف الساعة ــ جريمة التحالف بين الارهابيين الملثمين المدججين بالسلاح والقوات الفرنسية (رمزية الضابط والعلم الفرنسي)، والالتقاء الموضوعي بينهما لاغتيال الجمال والحرية. الإرهاب الذي صنع في غرف المخابرات ويستعمل اليوم كذريعة لتبرير التدخل العسكري المباشر في مالي والعراق وسوريا وقريباً ليبيا، ربما ليس إلا الوجه الآخر للجريمة الاستعمارية التي يتعرض لها الوطن العربي منذ حملة نابليون بونابرت على مصر وتقسيم الوطن العربي بين القوى الدولية. مسرحية «كعب الغزال» التي صاغ موسيقاها ربيع الزموري، ليست الا صرخة احتجاج على اغتيال الجمال والحرية وإدانة لثقافة القتل ورثاء للمهانة التي انتهى إليها الإنسان الحديث.