بغداد | مع إعلان تنظيم "داعش" إعدامه للطيار الأردنيّ معاذ الكساسبة حرقاً، شغل ذلك النبأ الصادم العراقيّين عن الأخبار التي أفادت أوّل من أمس عن تفجير سيارتين في حيّ الكرادة وسط بغداد، غير أنّه لم يكن مفاجئاً أو مروّعاً لهم بفعل ما مرّوا به منذ عشر سنوات. يومها تطايرت أشلاء الآلاف من الأبرياء وتفحّم بعضها بتفجيرات انتحاريّة لم تتوقف حتّى اللحظة في العاصمة العراقيّة وغيرها من المحافظات. ويبدو أنّ التنظيم الإرهابي، في مسعى منه لبثّ المزيد من الرعب، لجأ إلى ابتكار موجود في دهاليز التاريخين العربيّ والإسلاميّ. لكنّه استعاده اليوم بروح من يريد تجاوز تقهقره العسكريّ الواضح في أكثر من أرض كان يسيطر عليها.
وطبيعي كان متوقعاً انشغال وسائل التواصل الاجتماعيّ بالحدث، إلا أنّ اللافت هذه المرّة رفض الناشطين والصحافيّين والكتّاب العراقيّين نشر أيّ صورة عن جريمة الحرق أو الفيديو الخاصّ بها. بل إنّ بعضهم راح يحذّر من يضع شيئاً على صفحته الشخصيّة في الفايسبوك بأنّه "سيضطر للاعتذار عن عدم قبول صداقته بعد اليوم"، لجهة أنّ ذلك يحقق مبتغى هذه الجماعة عبر الترويج لبشاعتها.
وأتت التعليقات عفوية وسريعة تحمل الكثير من الاقتناعات المغايرة لما كنّا نسمعه قبل أعوام، وبالتحديد ما يتعلّق بمآل الثورات العربيّة وتنامي التطرّف والأصولية في المنطقة، منها مثلاً ما كتبه الشاعر والصحافي صفاء خلف "إذا كان حرق البوعزيزي لنفسه، بداية لما يسمى "الربيع العربيّ"، فإنّ حرق معاذ هو نهاية له". وأتى تعليق الصحافي مشرق عبّاس مختلفاً عن جملة ما أثير بشأن الحادث، وقال "سيتسلى الإعلام طويلاً بالفيلم الذي أعدّه خبراء النسخة المتطوّرة للمتطرّف المودرن الذي يعرف كيف يعدّ زوايا الكاميرا ويهتم برسالة الصورة وتكنولوجيا التصوير وسيناريو الإعدام الهوليودي".
كثيرون قارنوا ما حصل من تضامن دوليّ وإعلاميّ عربيين مع الكساسبة، إزاء الصمت بحقّ مذبحة "سبايكر" الصيف الماضي التي ذهب ضحيتها نحو 1700 طالب من كلية القوة الجوية في القاعدة المسماة "سبايكر" في تكريت (محافظة صلاح الدين). إلا أنّ بعض ردود الأفعال رأت أنّ المهم الآن "أن يعرف العالم العربيّ حقيقة وهمجية التطرّف الذي فتك في أرض العراق منذ عشر سنوات، وضرورة المواجهة المشتركة له". الفضائيات المحليّة انشغلت هي الأخرى بالحدث، وتصدّر ذلك نشرات الأخبار و"السبتايتلات". خصّصت قناة "العراقيّة" شبه الرسميّة ساعة حواريّة بعد إعلان نبأ الإعدام مباشرة.
أكثر ردود الأفعال في حدّتها وسخطها كانت التي تطالب الحكومة العراقيّة بسرعة تنفيذ الإعدام بحقّ المدانين بأعمال عنف وتفجيرات في البلاد، سواء كانوا عرباً أو أجانب أو عراقيّين. وهنا ذكر بعضهم "أيّ حقوق إنسان تلك التي يطالبنا بها العالم الدوليّ مع وحوش لا منطق أو أعرافَ بشريّة تحكمها؟".