لا تتوقف عليا خاشوق عن العمل. السينمائية السورية (1969) أنجزت وثائقياً بعنوان «أوتيل كندا» (2012، 30 د)، ونالت عنه جائزة أفضل وثائقي في «مهرجان أفلام العالم» في مونتريال 2012. الشريط يفتح الباب على موضوعة الانتماء لدى المهاجرين العرب في كندا. يبحث في سؤال جوهري: هل البلد الجديد، بالنسبة إليهم، فندق للإقامة أم وطن؟ في جعبتها روائي طويل، تقول عنه لـ «الأخبار»: «أشارك في التحضير لسيناريو عن حمص خلال سنوات الثورة. يعمل عليه كاتب حمصي عايش الأحداث، وما زال في حي الوعر يتابع الكتابة بخط يده على ضوء الشموع».
تردف: «أحضّر كذلك لوثائقي عن «قوارب الموت»، وموت السوري القابع بين سندان النظام ومطرقة داعش». أخيراً، شاركت خاشوق في «الملتقى الجهوي الثالث للسينما وحقوق الانسان» في القنيطرة بالوثائقي الذي أشرفت عليه «حمّام» (2013، 4 د، إنتاج مؤسسة الشارع للإعلام والتنمية)، وهو من تصوير أحمد خليل.
في مدينة منبج (ريف حلب)، تذهب الكاميرا مع الطفل محمد إلى مكبّ النفايات للبحث عن مواد قابلة للاشتعال بغرض تسخين المياه. يرجع الصغير إلى عائلته للانضمام إلى الاستحمام الجماعي مع اخوته. محمد عينة من الأطفال الذين حرمتهم الحرب السورية من التعليم، وأجبرتهم على حياة غير لائقة. «حمّام» واحد من تلك الوثائقيات البسيطة التي قام ناشطون شباب بتصويرها من دون خبرة عالية أو تأهيل علمي. المضمون غالب على الشكل. المهم هنا إيصال الرسالة المنشودة. إشراف متخصص مثل خاشوق ضروري لرفع السوية الفنيّة ما أمكن. تقول: «منذ بدايات الثورة، تعاونت مع عدد من الناشطين الإعلاميين، وتولّيتُ الإشراف على بعض الأفلام الوثائقية. إنّها مشاريع جماعية. لذلك سقطت عن الكثير منها أسماء صانعيها، هذا اقتراب من شباب الجيل الإعلامي الشجاع الذي يحتاج إلى خبرات ليتمكّن من إنجاز منتج إبداعي ناضج، أي كي لا تبقى المواد المصوّرة حبيسة الكومبيوترات و«الهاردات».
يعرض «النادي السينمائي السوري» في باريس الشريط هذا الاسبوع


هم أتقنوا التصوير تحت الخطر أكثر من التصوير بحد ذاته. المساعدة في هذا الأمر واجب أو ربّما أقل». «حمّام» لن يكون تجربة الإشراف الوحيدة لخاشوق. وثائقي «دفاتر العشاق» (2014، 55 د - إخراج إياد الجرود، تعاون فني علي سفر) حقق عرضه العالمي الأول في «المهرجان الدولي للفيلم» في روتردام الذي اختتم أمس. كما عُرض في سينما قصر الأمم المتحدة في جنيف، وفي لوزان السويسرية بدعوة من «مركز الكتاب العربي». ويستعد لعرض آخر في «النادي السينمائي السوري» في باريس يوم ٦ شباط (فبراير). تقول خاشوق: «المشاركة في أحد أهم مهرجانات العالم إنجاز نستحقه بجدارة، يحترم خطابنا الذي نفترض أنّه مختلف وجريء، يرفع صوتاً حراً أمام الخطاب الذي يعمل على تكريس صورة السوريين والثورة بأسوأ الأشكال، ويقف ضد الإرهاب في الوقت نفسه. هذا تكريم للثورة السورية، ولكل الأبطال الذين وقفوا يدافعون عن خطابها وسلميتها وأحقيتها». في المضمون، يشغّل الجرود كاميرته في بيوت وشوارع مدينته سراقب. يتابع يوميات الحراك في المدينة، مركّزاً على جدرانها التي تحوّلت إلى دفاتر لكتابة مختلف توجّهات وهموم وأفكار أهلها. تقول عنه خاشوق: «الفيلم استهلك وقتاً وجهداً لإتمامه. إياد الجرود هو صاحب الفكرة. صوّره قبل أن نتعارف، ثم أنجزناه معاً كفيلم».
بطبيعة الحال، كيف اختلف عمل علياء خاشوق بعد الحرب عمّا قبلها؟ تجيب: «أي فنان سوري لم يتأثر منتجه الإبداعي بما يحصل، هو خارج الحدث تماماً. الثورة (بكل ما لها وما عليها) دعوة للوقوف أمام تحدّي التغيير. هذا ينسحب على الشكلانية أولاً، أي التحطيم داخل الشكل الفني ذاته، والخروج عن السياقات المعتادة. هو تجريب يفترض المغامرة والرهان وتحطيم التابوهات الفنيّة السائدة تماماً كما قامت الثورة بفتح الأبواب لكل نواحي التغيير على الأرض». نسأل عن الاستقطاب الحاد الحاصل حالياً بين السينمائيين السوريين. هل يمكن أن تكون السينما جامعة للمختلفين مجدداً؟ تقول: «لا نختلف على أنّ الفن نتاج متكامل لشخصية الفنان، أي أنّه يحمل خطابه الإنساني والفكري والسياسي والاجتماعي وغير ذلك. إذاً، هو موقف، وهذا أهم ما فيه. الـ «نحن» والـ «هم» ما نحن عليه الآن للأسف. إنّها معادلة أمين معلوف نفسها في «الهويات القاتلة» (ضحايا/ متهمون). الخلاف بين الـ «نحن» والـ «هم» لم يعد سياسياً أو فكرياً، بل صار أخلاقياً/ إنسانياً. ثمّة فرق واضح لا لبث فيه، بين أن تكون مع القاتل أو مع القتيل، مع السجّان أو السجين، مع القامع أو المقموع. هذا صدع لم يعد قابلاً للترميم لأن أساسه دماء شهداء، والانتصار للإنسان والكرامة والحرية». في النهاية، تتمنّى خاشوق لو أمكننا نقاش «الآلية التي تتحكم بالنتاج السينمائي السوري. سيطرة «المؤسسة العامة للسينما» على المشهد، وإقصاء الفنانين المعارضين، وحصر كل الأعمال بيد عدد قليل من المخرجين المعروفين بموالاتهم الشديدة للنظام، وما إلى ذلك من أمور».




من دمشق إلى مونتريال

تخرّجت عليا خاشوق من المعهد العالي للفنون المسرحية في دمشق، وعملت لعشر سنوات في قسم المونتاج في المؤسسة العامة للسينما، قبل أن تهاجر إلى كندا نهاية عام 2004. نالت الماجستير في «الإعلام التجريبي - سينما وثائقية» من جامعة UQAM في مونتريال، بعد أن أنهت سنةً في دراسة السيناريو ضمن نفس الجامعة. أنجزت خاشوق في كندا فيلماً قصيراً بعنوان: «طريق باتجاه واحد» (2006، 10 د)، شارك في تظاهرة الأفلام الكيبيكية في مونتريال إلى جانب عدّة مهرجانات في أمريكا وكندا. أتبعته بوثائقي «بدون استثناء» (2007، 35 د) عن تأثير أحداث 11 أيلول/ سبتمبر على المهاجرين العرب في شمال أمريكا. في نفس العام، عادت خاشوق للعمل في سوريا، وشاركت بفيلم «كاسيت» (2007، 18 د) ضمن سلسلة «هذا العالم» التلفزيونية. بعده بعام، قدّمت فيلم IVD (اليوم العالمي للتطوّع) لصالح الأمم المتحدة، عن نشر الفكر التطوّعي في سوريا والبلدان النامية. أصدرت روائياً طويلاً بعنوان «الآخر المشتهى» (2010، 76 د – كتبته مع أحمد معروف). دراما نفسيّة تسرد دواخل شخوصها وسعيهم نحو مشتهاهم والطرف الآخر من العالم، في إطار تيمة أساسية هي الحب. توليف بصري سريالي، يتخذ من الطبيعة والمحيط وأسلوب الإضاءة والكادر والعزف الحي، محفّزات لجعل الشخصيات أكثر تحرراً وانطلاقاً في قول ما تريد.