جاء عرض «وحشة» لرفيق علي أحمد بعد انقطاع سنوات عن الخشبة كان خلالها يخوض غمار المسلسلات التلفزيونية التي كان يرفضها منذ لمعان نجمه. عنوان العمل “وحشة” يدل على شعور المرء بالوحدة وبحالة من الغربة عن محيطه. هكذا، جاء رفيق علي أحمد كعادته “مستوحشاً”، ممثلاً منفرداً، يملأ فراغ الخشبة بحضوره المسرحي «الكاريزمي»، مستخدماً أدواته في الجسد والحركة والصوت، لكن السؤال الذي لا بد ّمن طرحه: هل فعلاً “الوحشة” المسرحية (والمقصود هنا الممثل المنفرد) نمط يتقبله المشاهد بمتعة من دون ملل؟
تجارب كثيرة شاهدناها وقعت في الفشل الذريع والرتابة باستثناء بعض الأعمال التي اعتمدت وجود شخصيات أخرى تقف إلى جانب الممثل المنفرد، ومنها مثلاً مسرحية “مرا لوحدها” لخلود ناصر التي شاركتها العرض جارتها غير المنظورة على الخشبة. وهذا ما شاهدناه أيضاً في أعمال سابقة قدمها رفيق علي أحمد، إذ استخدم رموزاً لشخصيات مرئية عبر الدمى أو الثياب أو المجسمات، فكنا نجده أحياناً يرقص مع فرقة “دبكة” من دون أي وجود لها، حيث كان يكتفي برسم قبعات أفرادها على قسطل أنبوب يحمله على كتفه.
«لطشات» سياسية راهنة كعدم انتخاب رئيس جمهورية وملف الأمن الغذائي
وفي “وحشة”، لم يكن رفيق علي أحمد الممثل المنفرد. شاركته في عرضه عناصر دلالية كثيرة منها أولاده الذين شاهدناهم عبر لعبة خيال الظل، والمرأة المتحجرة التي تمشي على دواليب متحركة، ومجسم عفاف المرأة اللعوب. طبعاً لا نزعم بأنّ هذه العناصر كافية لصناعة عرض مسرحي منفرد، بل ربما عبر التقنيات المساعدة له منها أدوات الممثل وأدوات “السينوغرافي” والمؤثرات الموسيقية والضوئية، وهذا ما رأيناه في مسرحية “وحشة” التي أضافت أيضاً الفيديو في رسم الديكور الخلفي للعرض ومشاهد
أخرى.
حكاية المسرحية عن رجل اسمه أبو ميشال صار وحيداً في الحياة بعد خيانة زوجته له وابتعاده القسري عن أولاده، لكن رفيق علي أحمد يروي لنا الحكاية على طريقته الفكاهية المعتادة، فيضحكنا أحياناً كثيرة ثم ينقلنا فجأة إلى قمة التراجيديا المأساوية. هو يتكلم عن المفارقات بين امرأة وأخرى، ويتكلم عن الشخصية التي يؤدي دورها محمّلاً المفاهيم الاجتماعية الخاطئة أسباب هذا الفشل الذي أصاب حياته وجعله يأوي إلى الشارع (مشهد البحث في النفايات حيث يمسك بلعبة فيحضنها، مما يدفعنا إلى الاستنتاج بأنّها تعيده إلى ذكرى أولاده الذين فارقهم).
طبعاً، لا بد من بعض «اللطشات» السياسية الراهنة (عدم انتخاب رئيس مثلاً) وما قام به الوزير وائل أبو فاعور في قضية الأمن الغذائي ليعود إلى تذكيرنا بعمله السابق «زواريب» قبل عشر سنوات يوم قال “نحن نأكل نفايات”. مشهد البحث في مكب النفايات في “وحشة” لم يكن تكراراً لـ “زواريب” بل هو تتمة واستكمال لما بدأه في عمله السابق. أما موقف رفيق علي أحمد من الدين، فقد صار معروفاً. هو رجل فوق الطوائف، ينتقد بشدة تجّار الدين لمآرب دنيوية، وهذا ما نراه عبر الشخصية التي يخاطبها في العمل أي شخصية من سماه “الحاج كذاب”، الذي يتستر تحت عباءة الدين ليزيد ثروته ونفوذه. في الختام، لا بد من القول بأنّ “وحشة” عمل جدير بالمشاهدة لأنّه يتابع رسم خطوات مهمة في إشكالية المسرح في لبنان والعالم العربي.




«وحشة» حتى 8 شباط (فبراير) ـ «مونو» (الأشرفية ـ بيروت) ـ للاستعلام: 01/202422