القاهرة | خيبة أمل كبيرة يشعر بها مبدعو مصر إزاء وزير الثقافة جابر عصفور (1944) بعد مراقبة سلوكه وتغير أولوياته في الوزارة. في أوائل التسعينيات، كان عصفور يحاضر في كلية الآداب في جامعة القاهرة وكانت محاضرته تجذب كثيرين من كليات مختلفة. كان اصطفاف بعض الطلبة لملاقاته وهو يدخل بسيارته إلى حرم الجامعة، مشهداً عادياً ومألوفاً.
وكانت كتبه حول النقد الأدبي ونظرياته من المراجع المتداولة، لدارسي الأدب والفنون.

دارت السنون وتولى جابر كرسي وزارة الثقافة عام 2011 قبل أن يستقيل ثم يعود عام 2014. اعتقد المثقفون أنّ «الدكتور» سيكون همّه حماية الإبداع والمبدعين. إلا أنّ مواقفه كانت «مخزية» من حرية الإبداع.
لم ينتصر لها في أي معركة بدءاً من موقفه في معركة فيلم «حلاوة روح» أثناء تولي سلفه صابر عرب الوزارة، ورضاه بتعدّي رئيس الوزراء إبراهيم محلب على سلطة عرب، وسلطة رئيس الرقابة، وانتهاءً بفيلم «نوح» (الأخبار 7/3/2014) الذي حصل علي موافقة الرقابة في عهد عصفور، لكنّ نسخه ظلّت ملقاة في الرقابة لا يجرؤ أحد على عرضها، خصوصاً بعدما أعلن شيخ الأزهر غضبه من كلام عصفور. يومها، صرّح الأخير للفضائيات بأنه مع عرض الفيلم وضد تدخل الأزهر في الإبداع.
لكن في اليوم التالي، وقبل أن يذهب عصفور إلى مكتبه في الوزارة، اتجه مباشرة إلى شيخ الأزهر ليبدي أسفه وندمه على تصريحاته «العنترية».
الأزمة الحقيقية مع جابر عصفور أنّه فقد شجاعته بعدما جلس على كرسي الوزارة، خصوصاً في مواجهة الأزهر. قرر عدم التصدي لأي معركة فكرية في حين يتاجر بالشعارات الرنانة فقط أمام الكاميرات وعلى صفحات الجرائد. والدليل أن الرقابة أجازت عرض «نوح»، لكنه لم يطرح في الصالات. ويبدو أن الوزير تعلّم من هذا الدرس، وفضل عدم خوض معارك جديدة مع الأزهر.
ولذلك، رفض فيلم «سفر الخروج: آلهة وملوك» (الأخبار 27/12/2014) بدعوى أنه مليء بالأخطاء التاريخية، رغم أن المخرج ريدلي سكوت صوّر أجزاء من الفيلم في مصر، بعدما حصل على كل التصريحات الأمنية والرقابية. وعندما وجد عصفور نفسه معرضاً للانتقادات الواسعة من قبل المثقفين الذين اتهموه بأنّه صار رمزاً من الرموز التي تعمل ضد الإبداع وأنه فقد الكثير من ثقله كمثقف إرضاءً للسلطة وكرسي الوزارة، أصدر بياناً هزيلاً مليئاً بالمتناقضات أكد فيه «أنّه تم تصوير بعض مشاهد الفيلم خلسةً في مصر».
هكذا، صار المنتج الفني هشام سليمان الذي رافق ريدلي سكوت في رحلة التصوير في مصر هدفاً لهجوم الإعلام، فوصفه الإعلامي وائل الإبراشي بـ «العمالة». وعلى الصفحة الخاصة بسليمان، أعلن العديد من المثقفين تأييدهم لعرض الفيلم ومساندته له في محنته، قائلين: «إننا نواجه تابوهات متخلّفة، ويُفترض أن يكون جابر عصفور المعني بهذه المعركة وأن يتصدى للأزهر (…) في مصر أهم دولة فنياً، لا يوجد مثقف حقيقي يدافع عن الإبداع، حتى الفنانون مشغولون بالتصفيق ويتعاملون من منطلق «مهرج الملك»، لكنهم سيدفعون الثمن لاحقاً.
المسألة لم تعد مجرد ظرف سياسي صعب، لكنّنا نعود إلى الوراء سنوات طويلة، ونكتفي بالشعارات والمؤتمرات».