تونس | فوجئ الشارع التونسي بقرار تعيين لطيفة الأخضر (١٩٥٦ ـ الصورة) وزيرة للثقافة أخيراً. لم يُتداوَل اسمها مطلقاً قبل الإعلان عن تشكيلة الحكومة، على عكس أسماء أخرى كانت أقرب إلى هذا المنصب، مثل السينمائية سلمى بكار القيادية في «حزب المسار الاجتماعي الديموقراطي» أو محمد زين العابدين مدير «المعهد العالي للموسيقى».
ورغم أنّ تعيينها كان مفاجأة إلى حد ما، إلا أنّها معروفة في عالم السياسة والمعرفة أيضاً. هي جامعية بارزة متخصصة في التاريخ المعاصر. أصدرت بحوثاً وكتباً لاقت رواجاً كبيراً مثل «الإسلام الطرقي»، و»امرأة الإجماع». ناضلت في الحزب الشيوعي منذ الدراسة الجامعية خلال السبعينيات. انتمت إلى طلبة الحزب الذين كانت باقي القوى اليسارية تعتبرهم «إصلاحيين» و»مهادنين» للنظام وحافظت على انتمائها للحزب الى حدود التسعينيات عند تغيير اسم الحزب إلى «حزب التجديد».
وتعتبر الأخضر أول امرأة تتقلد وزارة الثقافة، فمفيدة التلاتلي التي عيِّنت غداة سقوط نظام بن علي لم تتولّ منصبها عملياً. كذلك، فإنّ الأخضر أول يسارية تتولى هذه الحقيبة في تاريخ تونس. كما أنّها المرة الأولى التي تخرج فيها وزارة الثقافة من جهتَي الشمال والساحل اللتين احتكرتا حقيبة الثقافة منذ الاستقلال، فإذا بها تؤول هذه المرة إلى وزيرة من الجنوب الشرقي (مدينة جرجيس من محافظة مدنين على الحدود مع ليبيا).
مناضلة نسوية وجامعية متخصصة في التاريخ المعاصر

ويعدّ اختيار الأخضر تتويجاً لنضالات الحركة النسائية، فهي من أبرز قيادات الحركة النسوية وكانت من مؤسسي «جمعية النساء الديموقراطيات» التي كانت محظورة في عهد بن علي. تولت أيضاً منصب نائبة رئيس «الهيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة والإصلاح السياسي والانتقال الديموقراطي» التي كانت بمثابة البرلمان في الفترة الممتدة بين حل برلمان بن علي وتنظيم انتخابات ٢٠١١. وقد برز اسم الأخضر آنذاك بشكل واسع، ما أهّلها لتكون وزيرة الثقافة. وتؤكد مصادر مطلعة ومقربة من قصر قرطاج لـ»الأخبار» أنّ الرئيس الباجي قائد السبسي كان وراء اقتراحها بعدما خبرها عندما كان رئيساً للحكومة في ٢٠١١.
ورغم الكفاءة العلمية والمعرفية ونضالها، لن تكون مهمة الأخضر سهلة في وزارة الثقافة. ستكون في مواجهة بيروقراطية الوزارة التي تحوي أكثر من ٦ آلاف موظف يستهلكون ٩٠ في المئة من ميزانية الوزارة. وستواجه الأخضر مجموعة من الملفات الكبرى مع تراجع ميزانية الوزارة إلى حوالى النصف في عهد حكومتي الإسلاميبن، فضلاً عن الوضع الاجتماعي الهش وغياب التشريعات القانونية وحالة الشلل التام للنشاط الثقافي إثر حلّ كل اللجان الثقافية التي كانت تتولى تنظيم الأنشطة بمبادرة من حكومة الإسلاميبن. هؤلاء أرادوا تجفيف منابع الثقافة وقطع التمويل المالي لدور الثقافة في كامل البلاد في إجراء غير مسبوق. لذا، تحتاج الوزيرة إلى الكثير من الوقت لإعادة إحياء اللجان الثقافية واقتراح قانونها على البرلمان لتزكيته ثم ختمه وإصداره، وهذا سيحتاج إلى وقت قد لا يتّسع له صبر المبدعين والمثقفين.