ننتمي إلى جيلٍ تأسست علاقتُه مع الجنس انطلاقاً من الصورة. ربما كان آخر الأجيال في هذا السياق، قبل أن تطيح الثورة التقنيّة بظاهرة الصور المخبأة في طيات الكتب، والمجلات الرياضية وما شابهها بدافع الخوف من الأهل، أو بقية من خجل. في تلك الحقبة، كانَ حصول المراهق على بعض الصور العارية لنجمات الإباحية بمثابة وقوعه على كنز يتيحُ له التربع على عرش «زعيم الشلّة» فترة من الزمن، هي الفترة الكافية لتداول كنزه بين الرفاق. كان طبيعياً أن تتناسب القيمة «الاعتبارية» للصورة تناسباً طردياً مع عدد العاريات اللواتي يظهرن فيها. وبغض النظر عن الحكم الأخلاقي حول هذه الظاهرة الذي يتباين بطبيعة الحال بين شخص وآخر، غيرَ أنّ القاسم المُشترك الثابت أنّ العارياتِ الباديات فيها كُنّ يحرصنَ على الظهور في وضعية جذّابة، عبر الاستعانة ببعض الاكسسوارات التي لم تكن لتحرفَ انتباهنا عن العري، فهو كان سيّد الموقف دائماً. والحقّ أنّ ما كُنّ يحاولنَ إخفاءه بل تجميله، كان في نظرنا «عُرياً أنيقاً».
تعبر هذه الذكريات بالتزامن مع «غزوة الصور» التي استهدفت كلّ الفضاءات محتفيةً بحفل «السترتبتيز» السياسي الأخير الذي تداعى إليه الساسةُ من كل الجهات والاتجاهات ردّاً على «غزوة باريس». قيل الكثير في الاعتداء الإرهابي المُدان. تباينت الآراء، وتُقوذفت الاتهامات، فيما أوجد السياسيون طريقةً لاستغلال الحادثة جرياً على عادتهم. رئيس الوزراء الفرنسي مانويل فالس بشّرنا بـ «تظاهرة لا سابق لها سيحكى عنها في كتب التاريخ»، قبل أن تنهمر الصّورُ موثّقةً الحدث «التاريخي». الملابسُ كانت كثيرةً في الاحتفال. المعاطفُ طويلة، البزّات باهظة الثمن. لكنّ الأمر لم يكن بحاجةٍ إلى طفلٍ حاذقٍ ليصرخ: «الملكُ عارٍ» ويفتح العيون على الحقيقة الفاضحة. العري القبيح كان القاسم المشترك بين طاقم الراقصين هذه المرة، من أقصى اليمين إلى أقصى اليمين. بغربهم، وعُربهم، طويلهم وقصيرهم، مبتسمهم ومتجهمهم، كلهم اجتمعوا في احتفال لا وصفَ ينصُفه أكثر من وصفه بحفل «سترتبتيز» فاشل. وخلافاً لأيّام المراهقة، راحت قيمة الصورة تنخفض وتنخفض، بالتناسب مع عدد العراة فيها. ورغم أن هؤلاء ما انفكوا يحاولون إخفاء عريهم، مستعينين بطبقات الملابس، بالماكياج، والأقنعة، والشعارات، غير أنّ ذلك كلّه لم يزدهم إلّا تجرّداً. بدا الأمر كأنّ الساسةَ الذين ما انفكّوا يفسدون كلّ شيء، قرروا أخيراً إفساد العري. حسناً؛ فلنأمل إذاً أن تتنبّه ناشطاتُ «فيمن» إلى هذا الانتهاك السافر، وأن يتنادينَ سريعاً إلى تظاهرة احتجاجيّة تعيدُ الأمور إلى نصابها.