التشويش الذي تعرّضت قناة «الشرق» (تبثّ على «يوتلسات» وهو قمر يقع في المدار نفسه لـ«نايل سات») المعارضة للنظام المصري مساء الاثنين الماضي، أكّد بوضوح أنّ الصراع بين القاهرة والقنوات المناوئة لها، لم ينته بإغلاق «الجزيرة مباشر مصر». بل إنّ مرحلة جديدة بدأت، مرشحةً للاستمرار طويلاً. إذا كان الصلح السياسي بين القاهرة والدوحة، قد أثمر سريعاً عن إغلاق «الجزيرة مباشر مصر»، فإنّ تأزم العلاقات بين القاهرة وأنقرة صب الكثير من ماء الحياة على حزمة من القنوات المعارضة لنظام الرئيس عبد الفتاح السيسي التي تتخذ من كنف رجب طيب أردوغان مقراً لها.
حتى الآن، ما زال النظام التركي يناصب العداء لنظيره المصري، حتى وصل الأمر إلى حد القطيعة الدبلوماسية. هكذا، لا تجد أنقرة حرجاً سياسياً في استضافة خمس قنوات تعمل من أجل إسقاط «انقلاب 3 يوليو» 2013 كما تسمّيه هذه المنابر. وحتى إغلاق «الجزيرة مباشر مصر»، ظلّت قطر الرسمية تقول إنّها لا تعادي مصر نظاماً وشعباً، لكن ما كانت تقدمه القناة التي أظلمت أخيراً سار دائماً في الاتجاه المعاكس. الضغوط على الدوحة من الدول الخليجية أثمرت بالفعل، لكن من سيضغط على تركيا؟ لا تلوح في الأفق بوادر تقريب وجهات نظر بين البلدين، بالتالي، يُتوقع أن يزيد الدعم الإعلامي التركي للمعارضة الإخوانية في الخارج: خمس محطات هي «الشرق» (انطلقت في أبريل 2014) و«مكملين» (6/6/2014) و«مصر الآن» (6/8/2014) و«الشرعية» (2013) وأقدمها «رابعة» (2013) تبثّ من هناك.
يتفاوت المضمون بين قناة وأخرى، لكن الخمس تسير على درب واحد، هو التحريض على نظام السيسي.
أربع قنوات انطلقت دفعةً واحدة من أنقرة خلال الأشهر الأخيرة

الجمهور المصري بمجمله منصرف عن تلك القنوات كما فعل مع «الجزيرة مباشر مصر». لكنّ جزءاً من المصريين الداعين لعودة محمد مرسي إلى القصر يرون في هذه المنابر نافذةً أخيرةً على هذا الأمل. الحرب إعلامية أولاً، خصوصاً منذ انطلاق ثورات الربيع العربي. «الجزيرة» التي شاركت في صنع ثورة ميدان التحرير حيث كان مرحّباً بها عكس التلفزيون المصري، سرعان ما كشفت عن أجندتها السياسية. وكان ظهور نسخ أخرى منها بأسماء مختلفة في أنقرة، بمثابة تأكيد حقيقة أنّ الصراع سيظل إعلامياً في المقام الأول. لكن ما خالف التوقعات حتى الآن هو عدد هذه القنوات، وقدرتها على الاستمرار، والأهم صمود الأتراك أمام النقمة المصرية. لهذا، عندما بدأ احتضار «الجزيرة مباشر مصر»، لم يبتهج المراقبون في القاهرة لإغلاقها، لأنّ «ذيولها» طالت في تركيا. بل يُنتظر أن يزيد العدد في حال انطلاق قناة «العربي» القطرية التي قد تجتذب عناصر أكثر خبرة تجمع بين الانتماء للإخوان المسلمين والحرفية الإعلامية. حتى الآن، يمكن القول بأنّ القنوات الخمس المذكورة آنفاً ليست منتمية إلى الجماعة. هي مجرد شاشات تعبوية، هدفها إبقاء «القلق السياسي» قائماً في المحروسة، وتأكيد أن مصر لم تصبح أفضل في غياب مرسي والإخوان. وإذا كان معظم مذيعي «الجزيرة مباشر مصر» والعاملين فيها منتمين تنظيمياً إلى جماعة حسن البنا، إلا أنّ المحطات المصرية التي تبثّ من تركيا تعتمد على مجموعة من المغمورين الذين لم يجدوا فرصاً دائمة في الإعلام المصري، فقرروا الاحتراف في هذه القنوات. فضائيات تحوّلت ـ وفق المحلل والخبير الإعلامي ياسر عبد العزيز ـ إلى أدوات استخباراتية، متوقعاً أن ينضم إليهم النازحون من «الجزيرة مباشر مصر» إلا إذا قررت شبكة «الجزيرة» الإبقاء عليهم في وظائف أخرى. وتساءل عبد العزيز عمن يتحمل تمويل هذه القنوات وإلى متى سينفق عليها من أجل مواجهة الانقلاب كما يزعم المموّل؟ أما صفوت العالم أستاذ الرأي العام في «جامعة القاهرة»، فتوقع سقوط هذه القنوات إذا أجريت تسوية بين مصر وتركيا. وهذه التسوية قد تحدث في أي وقت نتيجة المتغيرات السياسية. والدليل أن لم يتوقع أحد إغلاق «الجزيرة مباشر مصر» حتى بعد الإعلان الصلح بين القاهرة والدوحة. أما عن مصير العاملين في تلك القنوات، فتوقّع العالم أن يتخلّى الإخوان عنهم لأنّهم ليسوا أعضاء في الجماعة. وبالعودة إلى تصريح عبد العزيز حول تحول تلك القنوات لأدوات استخباراتية، جاءت سلسلة التسريبات الأخيرة التي طاولت قيادات في مكتب السيسي وقتما كان وزيراً للدفاع، لتعزّز وجهة النظر التي تربط بين تمويل تلك القنوات وأجهزة استخبارات تقف على الرصيف المعادي لمصر. فمن أين تأتي قنوات تبثّ في تركيا، بتسجيلات بهذه الحساسية، تبث أولاً عبر قناة «مكملين» ثم يتم استكمالها عبر «الشرق» كأن كل القنوات داخل شبكة واحدة لا منافسة بينها؟ مع ذلك، انقسمت الآراء كالعادة حول التشويش الذي طاول «الشرق» قبل بث تسريب جديد مساء الاثنين الماضي. منهم من اتّهم القناة بادعاء التشويش لمزيد من الدعاية، وآخرون رأوا أنّ هذه الفعلة قامت بها جهات تريد منع بث المزيد من التسجيلات المسربة. غير أن التشويش سيظل حلاً موقتاً في كل الأحوال. وستظل تركيا قبلة الإعلام الإخواني المعارض للنظام المصري حتى تتغير أوراق اللعبة السياسية.