عام ثقافي مختلف نودّع آخر أيّامه لجهة التهديد العام الذي طاول البلاد، منذ حزيران (يونيو) الماضي باحتلال «داعش» لمحافظة الموصل ومناطق أخرى من العراق. وجّه هذا الزلزال البربري بوصلة المثقفين صوب مواجهة أخرى أمام عدو غير مسبوق. كانت النتيجة حصيلة من اللوحات والقصائد التي وثّقت لمذابح ومآسٍ لن يكون من السهل تجاوزها أو تلافي آثارها على المجتمع العراقي.
ربما يكون التطوّر الملموس في صنعة الكتاب العراقيّ هذا العام، واحداً من الأحداث الثقافية التي ينبغي الإشارة إليها، ممثّلة في إصدارات عدة لدور جديدة تأسّس بعضها حديثاً (مثلاً «ورّاقون» في البصرة)، وأخرى منذ أعوام («منشورات عدنان» في بغداد). وما التنسيق بينها وبين دور عربيّة أخرى («ناشرون» في بيروت و»الكتب خان» في القاهرة) إلا دليل على محاولتها لدخول سوق الكتاب العربي بمستوى آخر من الاحتراف.
أدبيّاً، فإنّ فوز الروائي أحمد سعداوي بجائزة «بوكر» العربيّة عن روايته «فرانكشتاين في بغداد» (منشورات الجمل) في نيسان (أبريل) الماضي، هو أبرز الأحداث إذا قورن بغيره من المناسبات.
حطم «داعش»
تمثال الشاعر أبي تمام في الموصل
القاص حسن بلاسم نال جائزة الـ «إندبندنت» البريطانيّة عن كتابه «المسيح العراقيّ»، وحاز الشاعر العراقيّ شاكر لعيبي «جائزة الشارقة للبحث النقدي التشكيليّ» عن بحثه المعنون «المعماريّ والرسّام». وكانت إحدى جوائز «أثير» الشعرية (العُمانية) من نصيب الشاعر قاسم سعودي. كما فاز الشاعر عمر العناز بالجائزة الأولى في ديوان العرب في «مسابقة البابطين» عن قصيدته «إشراقة في أفق المعري»، وحصد الشاعر يحيى السماوي «جائزة جبران خليل جبران» العالميّة (تمنح في سيدني عن «رابطة إحياء التراث العربي»). أما المرتبة الثانية في جائزة «البردة» (عن وزارة الثقافة والشباب في الإمارات)، فكانت من نصيب الخطاط العراقيّ محفوظ ذنون يونس. وحلّ إحسان حاكم كاظم من العراق المرتبة الخامسة في الجائزة نفسها عن فئة الزخرفة. وفي مجال «الحروفية» ضمن «البردة» حلّ مصعب شامل أحمد من العراق ثانياً.
أما على الصعيد السينمائي، فإنّ هذا العام لم يكن غنياً «سينمائيّاً» مثل غيره في إطار حصد الجوائز في مهرجانات عربيّة ودوليّة. توّجت الممثّلة العراقية سوزان الير بجائزة أفضل ممثلة في «مهرجان قرطاج» عن دورها في فيلم «قبل تساقط الثلوج» للمخرج هشام زمان. ونال المخرج سهيم عمر خليفة جائزة «لجنة تحكيم المهر القصير» عن فيلم «الصياد السيّء». أما على صعيد الإنتاج السينمائي، فإنّ فيلمي «مطر على جيكور» و»صمت الراعي» للمخرجين جودي الكناني ورعد مشتت قد أنجزا وعرضا في 2014 أيضاً، وهما من أفلام «مشروع بغداد عاصمة الثقافة العربيّة 2013».
وفي المسرح، شهد هذا الموسم تقديم عروض «أحلام كارتون» و»ن» لكاظم النصار، و»عربانة» لعماد محمد، و»فوبيا» لأحمد حسن موسى، و»بدر ووفيقة» لقاسم السومري، و»اعزيزه» لباسم الطيب، و»Interview» لأكرم عصام، و»المقهى» لتحرير الأسدي.
ومن ضمن الكتب المهمة التي صدرت هذا العام كتاب الفنّان الفوتوغرافيّ كفاح الأمين بعنوان «يوميات بغداديّة وثائق وصور (1920-2010)»، مثلما أحدث اتحاد أدباء البصرة نقلة واضحة في عدد إصداراته السنويّة بإصداره 16 كتاباً لشعراء وكتّاب، منها كتاب» جنّة أبي العلاء» لعبد الكريم كاصد عن «دار الروسم». واستهجن مثقفون وأدباء حضروا دورة «مهرجان المربد» الأخيرة قبل أشهر تدخّل عشيرة عراقيّة في حلّ خلاف نشب بين أديبين عراقيّين من البصرة هما الشاعران علي الإمارة وواثق غازي، في سابقة مؤسفة.
لكنّ العراق خسر هذا العام نخبة رائدة ولامعة من مثقفيه وفنّانيه، من بينهم الشاعر والفنان محمّد سعيد الصكار (الملقب بشيخ الخطاطين توفي في باريس)، والفنّان الرائد نوري الراوي، ورسام الكاريكاتور أحمد الربيعي، والرسّام والنحّات منقذ الشريدة (توفي في أميركا)، والرسّام عبدالأمير علوان، والفنّان الفوتوغرافي فؤاد شاكر.
وفقدت بلاد الرافدين، الشاعر الستيني المعروف حسين عبد اللطيف، والشعراء نادر عمانوئيل، ومحمود النمر، ومشرق الغانم، وتوفي الكاتب والصحافي أحمد المهنا (إثر مرض عضال في لندن)، كما رحل ــ بين بغداد والبصرة ــ الملحنان محمد جواد أموري وطارق الشبلي، والباحثان صباح نوري المرزوك، وسعدي المالح، والقاص محسن الخفاجي، والمترجمان والكاتبان سمير عبد الرحيم الجلبي وجليل كمال الدين، وأخيراً المؤرّخ سالم الألوسي الذي توفي قبل أيّام. وحطم عناصر من «داعش» تمثال الشاعر أبي تمام في الموصل، حين جرى تدميره بجرافة في منتصف 2014. وكان 2014 عام الاحتفاء العربيّ بالشاعر الرائد بدر شاكر السياب لمناسبة مرور 50 عاماً على رحيله. هكذا، نظّم اتحاد أدباء البصرة ملتقى السيّاب الإبداعي، واحتفت أكثر من مؤسّسة بمئوية المعماري محمد مكية، منها أمانة بغداد وغاليري «الأورفلي» في عمان. ومنح مكية أيضاً «جائزة تميّز للانجاز المعماريّ مدى الحياة»، التي أطلقت للمرّة الأولى، وبدعم من مؤسّسات وجهات عدة منها جامعة «كوفنتري» و«مجلس الأعمال العراقي» في الأردن. وفازت المعمارية شيرين احسان شيرزاد بجائزة تميّز للنساء في العمارة والإنشاء، إلا أنّ العمارة العراقيّة بقيت في تراجعها المريع.
ظاهرة لافتة في 2014 هي مواجهة الهمجية والمذابح التي حصلت سواء في مجزرة سبايكر (محافظة صلاح الدين 157 كم عن بغداد) أو مجزرة عشيرة البو نمر (محافظة الأنبار). فإنّ ذلك كان محفّزاً لإنتاج العديد من اللوحات والقصائد التي دانت الجريمتين البشعتين، ومنها لوحات محمد مسير ومحمد عبّاس ووضاح مهدي، بل إن حدث الهجوم البربري لـ «داعش» على العراق، كان من بين نتائجه الفنيّة اللوحة المعروفة للفنّان سيروان باران «ارحل يا خليفة»، ولوحات أخرى مثل «هنا سنجار» لأحمد نصيف عن مأساة الأيزيديّين، و»آمرلي ممنوع الدخول» لمحمد القاسم.
أما على صعيد الشعر، فيمكن رصد قصائد «في سبايكر ذبحت 1600 مرّة» ليحيى البطاط، ومقاطع الشاعر أسعد الجبوري، و»طيور سبايكر» لعبد الرزاق الربيعي.