يأتي تكريم الفنانة الكبيرة نجاح سلام (1931)، كما لو أنه لقيّة كريمة، فالتة من جنون هذا الوقت وجحوده ونكرانه لكل ما هو أصيل. عند الثامنة من مساء اليوم، تشهد قاعة بيار أبو خاطر تكريماً لفنانة ذات وزن فنيّ عال في حياتها، وفي كامل ألقها المعنوي والذهني على الأقّل، بما أن «الفنّي» أي الوقوف والغناء على خشبة المسرح متعذر.
إنها التفاتة جيدة من رئيس «المعهد الوطني العالي للموسيقى» بالتكليف وليد مسّلم، تحييها «الأوركسترا الوطنية اللبنانية للموسيقى الشرق – عربية»، بقيادة أنطوان فرح، مع «كورال الغناء العربي» في الكونسرفاتوار برعاية وزارة الثقافة.
لم يبخل تاريخ نجاح سلام عليها بالتكريم. نالت «وسام الأرز الوطني اللبناني» (برتبة كومندور) عام 1993 من الرئيس اللبناني الياس الهراوي، ووسام «الإخلاص والشرف» في سوريا، و»وسام الاستحقاق اللبناني»، إلى جانب وسام «جوقة الشرف» في فرنسا، ومفتاح مدينة نيوجرسي الأميركية. كذلك حازت شهادة مُجمع اللغة العربية في مصر. وهي شهادة لا تظن ابنتها سمر العطافي، أنها مُنحت لمطربة سواها.
لقد اعتبرها المجمع: «أقدر فنانة عربية في حفاظها على مخارج الحروف والنطق السليم». يقول أكرم الرّيس منسّق مشروع التكريم إنّ الفكرة بالنسبة إليه هي مجرد لحظة حنان وفرح، فالسيدة نجاح سبق أن نالت أرفع الأوسمة في لبنان والدول العربية، والكونسرفاتوار هو أحد المراجع الموسيقية الرئيسية في لبنان الذي يكرّم أعلام الفن الراقي.

نالت لقب «المطربة الفدائية» في لبنان، فيما عُرفت في مصر بـ«صوت العرب»
أما في أمسية الليلة التي يقدمها الإعلامي سامي كليب، فتتضمن كلمة الكونسرفاتوار وكلمة العائلة ثم وثائقياً قصيراً عن سيرة نجاح سلام. بعدها، يتم الانتقال إلى الشق الموسيقي الذي أعده ويقوده أنطوان فرح مع «كورال المعهد» ويتضمن مختارات من الريبرتوار اللبناني للسيدة.
نستمع في الأمسية إلى غناء منفرد لبعض فتيات الكورال اللواتي يقدمن «حوّل يا غنام»، و«وديلو سلامي»، و«مرلك تبقى مرة»، و«يا صورة المحبوب». كذلك، يقدم الكورال أغنيات أخرى مثل «يا ريم وادي ثقيف»، و«الشب الأسمر»، فيما نستمع إلى مقطوعات موسيقية من بينها «ذكرياتي» لمحمد القصبجي، و«دروب» لقائد الأوركسترا أنطوان فرح.
في أسماع جمهور سلام، بقيت تتردد بعض أغنياتها التي تُعتبر «خفيفة» في التصنيف الفنيّ، ذلك أنّ الإعلام بقي مقصراً في الإضاءة على إنجازاتها في الغناء أهمها أغنيات لم تتردد في أسماع الجمهور بلغ فيها صوتها أمداء وعُرباً وقفلات بات بها أشهر المطربات في زمنها. هكذا ظلت هذه المطربة أسيرة «ميّل ياغزيّل»، و«حوّل يا غنّام»، و«يا جارحة قلبي»، و«عا نار قلبي ناطرة المحبوب».
كبرت سلام في بيئة يقف في مقدمتها جدها العلاّمة وأحد كبار رجال الفقه في لبنان الجليل الشيخ عبد الرحمن سلام، ويقف بعده الأب عازف العود محيي الدين سلام الذي كان مسؤول الموسيقى والغناء في «الإذاعة اللبنانية»، وواحداً من أبرز مؤسسيها.
في سجل المطربة مرحلة اساسية تتمثل في زيارتها الأولى إلى فلسطين عام 1947، حيث غنت من وحيها قصيدة من كلمات الشاعر بولس سلامة، «يا زائراً مهد عيسى»، تحدثت فيها عن اطماع الصهاينة في فلسطين. لدى الفنانة اللبنانية أغنيات وطنية أخرى مثل: «يا عايدة يا أختي يا فلسطينية»، و«عيون البرتقال»، و«أنا فدائية»، و«مقاومة»، و«وطننا في خطر»، تماماً كما تنادي اليوم إلى صون المقاومة اللبنانية. من هنا، نالت لقب «المطربة الفدائية» من قبل الشعب اللبناني، فيما عُرفت في مصر والوطن العربي بـ «صوت العرب».
لم يكن مشوار سلام الفني مليئاً بالورود، لكن عظمة صوتها جعلت كبار الموسيقيين يقبلون عليها، فغنت لرياض السنباطي حوالى 25 أغنية منها «عايز جواباتك»، بعدما اقتنع بصوتها وعرف قدرتها على غناء كل الألوان الصعبة.
غنّت سلام أيضاً «يا سكة السعادة» لمحمد عبد الوهاب، و«زنوبة» لفريد الأطرش، و«أسرار الحب» لكمال الطويل، و«يا أغلى اسم في الوجود» لمحمد الموجي، و«ياني منك»، لمحمد فوزي و«على ايه حاسديني» لبليغ حمدي.
أخذت سلام طريقها أيضاً إلى السينما، فقدمت عدداً من الأفلام منها: «ابن ذوات»، و«الدنيا لمّا بتضحك» وسواها.
كما كانت اول مطربة لبنانية تؤسس لصناعة السينما في لبنان حين أنشأت شركة «سمر فيلم» مع زوجها الفنان الراحل محمد سلمان، وأطلقا مجموعة من الأفلام كانت الركيزة الأولى لصناعة الفن السابع. كما أسست مع سلمان شركة إنتاج غنائي «ريما فون» قدما من خلالها أجمل الأغنيات سواء بصوتها أو بصوت سواها من المطربات. عدا حبّ الجماهير لها ولتاريخها المشرّف، هي كانت تكنّ حباً ــ بمفهوم شامل ــ لكل البلاد العربية.
وإذا كانت غنت «الله يا لبنان ما اجملك»، فقد غنت أيضاً لمصر ولسوريا (سوريا يا حبيبتي)، ولفلسطين شدت بجوارحها كافة.

«تحية إلى نجاح سلام»: 20:00 مساء اليوم ــ «قاعة بيار أبو خاطر» في «جامعة القديس يوسف» (طريق الشام ــ بيروت). للاستعلام: 01/489530