في عام 1922، افتتح محمود الساعاتي كوخاً على الشاطئ، كأوّل دار عرض سينمائي في البحرين. كرّت سبحة الصالات، ليأتي مخرج ثوري هو خليفة شاهين. السينمائي البحريني بدأ نشاطاً محموماً منذ نهاية خمسينيات القرن الماضي، لتأتي السبعينيات بعلي عباس ومجيد شمس، والأكثر تأثيراً بسام الذوادي، الذي أقلع بشريط صامت هو «الوفاء» (1975).
المخرج الأكاديمي (خرّيج «المعهد العالي للسينما في القاهرة»)، افتتح سجلّ الأفلام الروائية الطويلة في بلاده بـ «الحاجز» (1990)، ثمّ «زائر» (2003) و«حكاية بحرينية» (2006). الفيلمان الأخيران حملا توقيع فريد رمضان على النص، ليصبح أحد أهمّ كتّاب السيناريو في الخليج العربي. لاحقاً، تعاون رمضان مع مخرج شاب آت من دراسة القانون هو محمد راشد بوعلي، في روائي قصير هو «البشارة» (2009). حينها، بدأ الحديث عن «الشجرة النائمة» كمشروع فيلم قصير، تطوّر مع الوقت إلى روائي طويل. هكذا، أسّس بوعلي ورمضان شركة «نوران بيكتشرز» كحاضن إنتاجي منفتح على مختلف أنواع الشراكات. بوعلي اسم حاضر في المهرجانات، من خلال فيلموغرافيا تخيّم الأشرطة القصيرة على عناوينها. «غياب» (2008) و«هنا لندن» (2012)، جلبا له سمعةً حسنةً وجوائز عدة. شارك في ورش تدريبية مع أسماء رفيعة مثل عباس كيارستمي، وأصغر فرهادي وجيا زهانكي، كما اختير ضمن المخرجين الآسيويين المشاركين في الأكاديمية الآسيوية للأفلام 2012 وملتقى برلين الإبداع 2013.
«الشجرة النائمة» (2014، 88 د.) أوّل روائي بحريني طويل منذ 8 سنوات. تدخل سهى مطر في الإنتاج مع «نوران بيكتشرز»، وداعمين آخرين منهم «مهرجان دبي السينمائي». فريد رمضان استند إلى قصّة حقيقيّة من بيوغرافيا شريكه بوعلي، الذي رحلت أخته الصغيرة «أمينة» إثر مرض الشلل الدماغي. تمّ الاتفاق على خلق عائلة بحرينية بسيطة، وإدخال عناصر من تراث وعادات البحرين إلى العمارة السيناريستيّة.

نشاهد الواقع والخيال، الحقيقة والوهم، الأسطورة والحلم ضمن أسلوبية بصرية محدّدة
زواج «جاسم» (جمعان الرويعي) و«نورا» (هيفاء حسين) على حافّة الانهيار. لقد فقدا بكراً هو «عبد الله»، ثمّ جرّبا مجدداً من خلال «أمينة» (حوراء شريف) التي لم يتركها المرض بسلام. فيما تتعايش «نورا» مع خشونة الواقع، يسرح «جاسم» بين الحلم والحقيقة، ليكونا تلك العائلة البسيطة المتشبّثة بالأمل. مصادفة تقود الأب المكلوم إلى «شجرة الحياة» الوارفة كمعجزة وسط الصحراء واللا مكان. هذه إحدى معالم البحرين التي لا تفوّت. في نفس الوقت، تصحو «أمينة» ليوم واحد، قبل أن تعود إلى سيرتها الأولى. هي «الشجرة النائمة» التي تماثل «شجرة الحياة»، في برزخ آمن بين الحياة والموت، وبين الصحو والغياب. «جاسم» لا يتقبّل ذلك بسهولة، عابراً إلى عالم موازٍ، من خلال العزف على «الجربة». الآلة الشعبية جسد ميت، يبعثه العازف إلى الحياة عند نفخ النغمة الأولى (موسيقى محمد حداد).
لا يمكن تجاهل بنية السرد في «الشجرة النائمة». ستة فصول هي: «الميت»، «الحيّ»، «يخرج الحيّ من الميت»، «يخرج الميت من الحيّ»، «البرزخ»، «المنتهى»، تتفنّن في كسر الزمن والالتفاف عليه. تراقص الواقع والخيال، الحقيقة والوهم، الأسطورة والحلم، لتولّف مناخها الخاص. كل ذلك ضمن أسلوبية بصرية محدّدة وصارمة. الأداء التمثيلي مضبوط، معصوم عن الاستجداء والبكائيات. ما يمكن التوقف عنده هو تأثير الشجرة على الطفلة.
صحيح أنّ الكائن السينمائي غير مطالب دائماً بفكّ الالتباس، والإجابة على كلّ الأسئلة، إلا أنّ ثنائية الشجرة/ الطفلة تنسج قلب هذا الشريط. لا بدّ من توضيح بيّن: هل الشجرة مجرّد معادل لحالة «أمينة»، أم أنّها قامت بإيقاظها ذلك اليوم؟
أهميّة «الشجرة النائمة» أنّه نزل إلى صالات السينما البحرينيّة أخيراً، وراهن على شبّاك تذاكر. على صعيد المهرجانات، بدأ من «مهرجان دبي السينمائي الدولي 2014»، وصولاً إلى «مهرجان مالمو للسينما العربية» منذ أيام. كذلك، مزج بين الخبرات التونسيّة (مدير التصوير: محمد مغراوي) والفرنسية، وبين الشباب البحريني الخام، ضمن طواقم الصوت والصورة. فريق الإخراج تعرّف للمرة الأولى إلى ماهية صنع فيلم روائي طويل، بمن في ذلك بوعلي نفسه. لا يمكن تجاهل كل هذه العلامات المضيئة، على طريق صناعة سينما مستمرّة في البحرين.
السينما البحرينية، والخليجيّة عموماً، مطالبة باشتباك أكثر صخباً ومشاغبةً مع الواقع. تجاهل الصفيح الساخن وبنية البلدان المتخمة بالأفخاخ، لحساب تيمات اجتماعية وتوعوية، لم يعد مواكباً لعالم تسهم السينما في تغييره فعليّاً.