«مراد» أو «أوداد» (الوعل باللغة الأمازيغية) اسمان لشخص واحد. تنكرت له والدته بتركه لقيطاً في قرية «اغرم»، وتنكرت له القرية حين عهدت به إلى أسرة في المدينة. جرح مضاعف وبحث عن الهوية ترك ندوبه في الرجل الذي يعود إلى القرية بنصيحة من طبيبه النفسي. في «نوميديا»، باكورة المغربي طارق بكاري (1988)، نحن أمام عمل متماسك يعد بصوت جديد في الرواية العربية والمغاربية. «مراد الوعل» بطل مأزوم، على حافة الانهيار النفسي كما يصوره السارد. لكنه في الوقت عينه على شاكلة أبطال العديد من الروايات. يخرج من هذه الحالة حين يتعلق الأمر بالسرير. يراكم النساء ويستمتع بلحظات من الحميمية، ويشتهي فطوراً أمازيغياً، حين يكون مع حبيبته الفرنسية جوليا، من دون أن ينسى حبيبته المنتحرة خولة! تَجَاوُرُ الفحولة الطاغية والانهزام يضعف من إمكانيات هذه الشخصية.
يبدو بكاري مشغولاً بالأمازيغية، الحاضر الغائب في المشهد المغربي. إذا كانت الأمازيغية الرافد الأول للعديد من الكتاب المغاربة، كلغة أم وهوية ومعيش، إلا أنّها تتوارى إلى الخلف في أعمال كثيرين، بخاصة ممن يكتبون بالعربية. هنا يستعيدها بكاري بقوة من خلال العنوان «نوميديا»، في استعارة لاسم المملكة الأمازيغية لشمال افريقيا، والعودة الى قرية اغرم، مهد صبا البطل، وقصة عشقه للمرأة التي تستطيع وحدها تحقيق خلاصه، إلى جانب اسمه الأصلي «اوداد». بهذا يحقق السرد شكلاً من الاستعادة لهذا الارث التاريخي والهوياتي، لكنه يسقط أحياناً في نوع من الخطابة التي تتجاوز السرد، إلى اطلاق احكام عامة على المكان. ولولا بضعة تفاصيل، لاعتقدنا أننا أمام أي قرية من قرى المغرب. خاصية تتجاوز رواية بكاري إلى بعض الأعمال الأخرى المشاركة في «بوكر» هذه السنة. المكان في الكثير من هذه الكتابات، يظل حيادياً، ولا ينفذ السرد إلى عمقه إلا نادراً. تغيب الكتابة البصرية لصالح وصف جواني يجعل المكان مجرد تأثيث لمعاناة السارد. رغم الملاحظات التي قد نعيبها على الرواية، إلا أنها لا تنتقص من قيمتها. بكاري كاتب موهوب يمكن أن يضع قدمه بقوة في الكتابة المغربية والعربية المعاصرة.
«نوميديا» ـ دار الآداب