محمود عبد الغنيأعادت «دار غاليمار» الفرنسية نشر الديوان الاستثنائي في أدب محمد خير الدين (1942 ــــ 1995)، وفي الشعر المغربي المكتوب بالفرنسية عموماً. إنّه «شمس عنكبوتية» الذي صدرت طبعته الأولى عن «دار سوي» عام 1969. في النسخة الجديدة التي قدّم لها الشاعر الفرنسي جان ــــ بول ميشال، اعتبر هذا الأخير خير الدين «شاعراً قادماً من الضفة الأخرى». وأشار إلى أنّ العديد من البورتريهات التي كتبت عن خير الدين أثناء إقامته في باريس وصفته كما هو فعلاً: «شاب وسيم، مستقيم، لا تربطه بالحياة روابط ثانوية». وتوقف الشاعر الفرنسي عند عناصر وجودية حددت علاقة خير الدين بالعالم المنقسم الذي هو عالمه: تصدعات طفولته الحميمة، وجغرافيته، ولغته، ومآسيه العائلية. وإذا كان جل الكتاب المغاربة صرخوا بفم واحد: اللغة الفرنسية هي منفانا، فإنّ خير الدين يختلف عنهم في مسألة المآسي العائلية. هذا الشاعر لم يعانِ فقط من فقدان الأمل الاجتماعي، بل أيضاً من أخطر أنواع فقدان الأمل: اليأس الوجودي.
ولد خير الدين عام 1941 في قرية أمازيغية في الجنوب المغربي. انفصل والده عن أمه، ما وّلد لديه عاطفة متوترة إزاء أبيه. وهو بذلك يذكِّرنا بمحمد شكري. حادثة الطلاق تلك صنعت من خير الدين مشروعاً متمرداً على الأب والعائلة. درس في الدار البيضاء ثم باريس عام 1965 حيث تعرّف إلى سارتر وبيكيت وآخرين. تزوج من الفرنسية آني دوفوار التي كتب عنها قصيدة جميلة «إلى زوجتي» وأنجب منها طفلاً. إلا أنّه ترك عائلته وعاد إلى المغرب، حيث أصدر العديد من الروايات والدواوين: «أكادير»

أعادت «دار غاليمار» الفرنسية نشر ديوانه «شمس عنكبوتية»

(رواية ـــ 1967). «شمس عنكبوتية» ( شعر ـــ 1969)، «النباش» (رواية ــــ 1973) «أسطورة أغنشيش وحياته» ( رواية ــــ 1984) إضافة إلى أعمال أخرى راسخة في الأدب الفرنسي الحديث... إلى أن توفي في الرباط عام 1995 بعد صراع مع السرطان.
في مقدمته، يقول جان ــــ بول ميشال عن خير الدين إنّه نوع من ديلان توماس في الأدب الفرنسي، ويستدرك أنّه ليس متأكداً من أنّ خير الدين قرأ ديلان توماس. لقد اختار خير الدين اللغة الفرنسية، وأحبّ أدبها بعد لقائه بأستاذة لغة فرنسية خلال دراسته الثانوية. وهو اللقاء الذي كان بداية الطريق على درب الاغتراب الأدبي، الشديد الشبه بجيمس جويس الذي غادر بلده إيرلندا، وبيكيت الذي اختار اللغة الفرنسية منفى لغوياً. أما إدارة ظهره لوالده وفضاءات التقليد، فقد اعتبرها ميشال بمثابة إعلان للاستقلالية الشخصية. وما عشقه لبودلير ومالارميه ورامبو سوى عشق للتحدي والتجاوز.