عازفة البيانو الفرنسية أصدرت أخيراً «ليلة روسية» الذي حوى تسجيلاً حيّاً لكونشرتو البيانو والأوركسترا الثاني للمؤلف الروسي المعروف
بشير صفير
‎الأسماء كثيرة في عالم الموسيقى الكلاسيكية الغربية. لذا نختار دائماً تلك المعروفة عالمياً ونتابع نشاطها، فنتناول الأحداث الكبيرة في مسيرتها. من بين الرموز المعاصرة، نتوقف اليوم عند عازفة البيانو الفرنسية إيلان غريمو. بعد العديد من التسجيلات الصوتية التي حققت للعازفة البارعة صيتاً ممتازاً في الأوساط الهاوية (الجمهور) والمتخصصة (الموسيقيون، النقاد،...)، صدر لغريمو تسجيلٌ موسيقي مصوَّر (DVD). هذا الـ DVD ليس الأول لها. سبقه وثائقي بعنوان «العيش مع الذئاب»، أضاء بالدرجة الأولى على هواية العازفة الحسناء، أي تربية الذئاب (!) فيما تناول مهنتها على الهامش، وخصوصاً لناحية تقديم النماذج الموسيقية المصوَّرة والكاملة.
‎أما الDVD الجديد الذي حمل عنوان «ليلة روسية» (Russian Night)، فقد حوى تسجيلاً حيّاً لكونشرتو البيانو والأوركسترا الثاني لرخمانينوف. هذا جزءٌ من الخبر/ الحدث. أما الجزء الثاني، فهو أن كلاوديو أبادو يرافق غريمو قائداً لـ«أوركسترا مهرجان
‎لوسارن». وهنا نشير إلى أن القائد الإيطالي الكبير هو مؤسِّس هذه الأوركسترا، ومن أهم الأسماء في مجال القيادة عالمياً، ويكفي أن يكون قد «ورث» أوركسترا برلين الفلهارمونية عن الأسطورة كارايان لإثبات ذلك.
‎ليست هذه المرة الأولى التي يتعرف فيها الجمهور إلى أداء غريمو
‎لهذا العمل الضخم. سبق أن صدر لها تسجيلان يعودان إلى سنوات خلت، أي قبل أن توقّع العازفة الفرنسية عقداً حصرياً مع شركة «دويتشيه غراموفون» الشهيرة. إلّا أن هذا التسجيل الموفَّق يمكن إضافته إلى التسجيلات التاريخية لهذا الكونشرتو. علماً أنه لا يتخطى أيّ منها على الإطلاق. وتبقى الأهمية الإضافية محصورة بمشاهدة غريمو وأناملها المتمايلة تحت أنظار القائد الكبير، في عملٍ تأخذ فيه الأصابع أشكالاً «شيطانية» لصعوبته.
‎تجدر الإشارة إلى أن هذا الإصدار يحوي أيضاً عملَين أوركستراليَّين، هما «عصفور النار» لسترافينسكي، و«العاصفة» لتشايكوفسكي.


الكونشرتو الثاني

‎عندما يأتي الحديث عن كونشرتو البيانو والأوركسترا الثاني لسيرغي رخمانينوف (الصورة؛ 1873 ـــ 1943)، لا بد من الإشارة إلى الظروف التي رافقت إبداعه لرائعته تلك. عام 1895، تحمَّس المؤلف الشاب وكتب سيمفونيته الأولى مؤمناً بنجاح أكيد. لكن بدا أنّ رخمانينوف قام بتقدير مبالغ فيه لموهبته اليافعة، فسقط سقوطاً مدوّياً أمام أقلام النقاد اللاذعة. سببت له هذه الحادثة كآبة حادّة، وكادت تؤدي به إلى الانتحار. استدعى الوضع تدخُّل الطبيب النفسي نيقولاي دال، الذي أخرج رخمانينوف من جحيمه بعد خمس سنوات، ليضع في 1900 ـــ 1901 هذا الكونشرتو الذي أهداه للطبيب المنقذ.



احفظوا هذا الرقم!

‎إنّ من يحظى من الموسيقيين بعقد مع شركة «دويتشيه غراموفون» الألمانية (وهذه هي الحال بالنسبة إلى إيلان غريمو)، يكون قد دمغ مسيرته باعتراف لا يمكن دحضه أبداً. أسطوانة تحمل تلك «العلامة الصفراء» يُنظر إليها كجوهرة من دون الحاجة إلى شهادة خبير. هذه الصورة هي نتيجة 111 سنة من الخبرة في مجال الموسيقى الكلاسيكية. وقد اختارت «دويتشيه غراموفون» هذه السنة للاحتفال بذكرى تأسيسها عام 1898. وللمناسبة، أصدرت الشركة هذا الشهر مقتطفات من أبرز تسجيلاتها في علبة صفراء حملت الرقم 111. ضمت «دويتشيه غراموفون» عبر السنين مئات الموسيقيّين، بدءاً من الذين صنعوا أساسات الأداء في الموسيقى الكلاسيكية، وصولاً إلى الأسماء الجديدة التي يعرض عليها خبراء الشركة العقد الذي يحلم به كل موسيقيّ. عقدٌ يحتِّم عليه في المقابل مسؤوليات فنية كبيرة جداً.