يمكن أن تدخل في النصّ من كلّ الاتجاهات، يمكن أن تقرأه بشتّى الأصوات، أن تشرِّحه بأدوات عدّة، أن تخترع له كتابات متوازية وإيقاعات وصوراً. انطلاقاً من هذا التلاعب على المادّة المكتوبة، وبغية تحويلها إلى إيقاعات وصور وحركة، يقوم عرض «جوكاري»، الذي يجمع مساء اليوم أربع فنانات لبنانيات من مشارب مختلفة. ضمن «بيروت عاصمة عالميّة للكتاب» و«برعاية وزارة الثقافة»، و«البعثة الثقافيّة الفرنسيّة»، تحيي جويل خوري (بيانو، تأليف موسيقي)، وريتا بدورة (صوت، حركة) وكندة حسن، ومعها شاهيغ أرسومنيان (فيديو) وكارولين حاتم (كوريغرافيا، رقص)، الحفلة الثانية من عرضهنّ المتعدد الأصوات والوسائط، الذي انطلق مساء أمس في العاصمة اللبنانيّة. تحوّل المجموعةُ الأصوات إلى حقل من الأشكال والألوان، تخلق احتمالات أخرى للمعنى تختلف عن المعنى الأولي للنصّ. لوهلة أولى، نفهم أنّه بحث ما عن نسب للكواكب! «البدء خلق الحركة، والحركة خلقت الرمز، والرمز (...) الكواكب، والكواكب خلقت الشكل»... في موازاة ذلك، نشاهد على الشاشة زجاجاً هجيناً ينفخ به في النار، يداً من طين على شاطئ أخرس، ورجالاً يدورون في حلقات وهميّة كأنَّه طقس صوفي. أمّا الصوت، فزقزقات أو تأوّهات أو أنين صراصير.
يمثّل العنصر الموسيقي الشق المحوري في هذا العرض الفنّي المنوَّع، ويحمل توقيع جويل خوري. انطلقت المؤلفة وعازفة البيانو من النصوص الأدبية لترسم الصدى الموسيقي المناسب (أو الصوتي، بالمعنى الأشمل).

«جوكاري» عرض يجمع أربع فنانات لبنانيات من مشارب مختلفة
ففردت جانباً لآلتها (البيانو) وللتشيلو (أنجيلا هونانيان) وآخر للصوت البشريّ، وأدخلت الإلكترونيات عند الحاجة إلى تجسيد ما يتخطّى قدرات الآلتَين الموسيقيّتَين المستخدمتَين. وبما أن العرض تجريبيّ النَفَس، لم تتوانَ خوري عن اللجوء إلى إشراك أصواتٍ مسجلة من الواقع، بغية تصميم المادة النهائية، تلك الأكثر اندماجاً في عالم الكلمة والصورة والحركة.
تلاقي ريتا بدورة، من خلال أدائها الصوتي عمل خوري. الكلام في العرض من تأليفها، إضافةً إلى مقتطفات من أعمال إيتيل عدنان وجاد حاتم. يرتكز أداؤها للنص أساساً على البحث عن مفهوم الهجر. وها هي تعيد استبطان أصل كلماتها من خلال الإيقاع والصورة. تعمل كارولين حاتم على الحركة من نقطة موازية، إذ أنجزت الكوريغرافيا الخاصة بالعرض بعدما بحثت عن خيط رفيع يجمع المعاني المختلفة في الصورة والنص والموسيقى، فوجدت ذلك في تيمة المرأة/ الكون، والالتقاء بين العوالم. أمّا في الفيديو، الذي تشتغله كندة حسن وشاهيغ أرسومنيان، فيركز على موضوع اللقاء هذا. نرى بحراً، رمالاً، صوراً، رسوماً، أجساداً، فضاءات، ذكريات، ومزيجاً يحاكي إلى حد كبير رؤية جويل خوري الموسيقيّة...

8:00 مساء اليوم ـــــ «المركز الثقافي الفرنسي» (طريق الشام ـــــ بيروت). للاستعلام: 01/420200