بيار أبي صعببيروت تحتكر عادةً معظم المناسبات الثقافيّة. لكنّها، هذه المرّة، ستغار من بلدة الميناء، جارة طرابلس، عاصمة الشمال التي تستضيف نزيه أبو عفش في أوّل إطلالة له على لبنان منذ دهر. هنا يحيي الشاعر السوري أمسيته عند الخامسة من مساء اليوم، على خشبة «بيت الفنّ»، بمبادرة من جمعيّة «تنشيط المطالعة ونشر ثقافة الحوار» (زهيدة درويش/ جان جبّور) بالاشتراك مع «بلديّة الميناء».
نزيه أبو عفش، صوت خاص على ساحة الشعر العربي الراهن. يحمل الألم في أحشائه كرةَ نار تغلّف الرؤيا، ويختزن غضباً على زمنه ومعاصريه نجده في الإيقاع والصور والمفردات. إنّه من علامات جيل السبعينيات في سوريا، جيل كل الأحلام وكل الخيبات. ولعلّ ذلك يفسّر جزئيّاً قطيعته التدريجيّة مع العالم، بموازاة تصاعد الخيبات والانهيارات، الحميمة والعامة، فإذا به شاعر الأمل المجهض. من الهمّ العام في مجتمع مأزوم يبحث عن أفق، إلى البعد الوجودي والميتافيزيقي، تبدو قصيدته جريئة في تجريبيّتها، في تلاعبها على العادي والعابر. قصيدة غنائيّة في النهاية، تفضحها نبرة رومنسيّة مموّهة في شعاب النثر، وتسكنها مرجعيّة ريفيّة لم تقوَ عليها السنوات الدمشقيّة. قصيدة تنضح قسوة وفجاجة، تستحضر الله وقد صار رفيقاً في المعمعة، وعيسى الناصريّ، الوجه الآخر للشاعر على درب الجلجلة الجديدة. اهرعوا مساءً إلى الميناء للقاء ناسك مرمريتا، الرجل ذي اللحية البيضاء والنظارتين المتعبتين. وأصغوا جيّداً إلى صاحب «انجيل الأعمى» يقف وحيداً لينعى إلينا العالم: «كمسيح صغير يافع/ مددت شريعتي/ ونزلت بجسدي إلى الماء/ ثم صرخت: إلهي، إلهي... لماذا تركتني؟».