أحد أبرز وجوه جيل الفن المعاصر الذي يشهد في مصر نهضة حقيقيّة، خارج إدراك النقد التقليدي. معرضه الحالي في عمّان مثير للجدل والاهتمام
عمّان ــ أحمد الزعتري
مرّت أخيراً الذكرى الـ28 لاغتيال أنور السادات. نذكر جميعاً صور الكاميرا المهزوزة للحادثة، وفوضى المنصة الرسميّة، والدم الذي ينزف من بذلات الجيش التي ارتداها في مناسبة انتصار أكتوبر 1973. كان مشهداً تراجيديّاً بكل تناقضاته: الدم الذي نزف من العدو ينزف الآن على المنصة. اليوم، يسبق المصري وائل شوقي الجميع بإعادة إنتاج هذا المشهد في فيديو «تيليماتش السادات» ضمن معرضه في «دارة الفنون».
في «تيليماتش السادات»، يعيد شوقي (1971) تصوير الحادثة عبر استعراض ترفيهيّ متناقض يمثّله أطفال في بيئة صحراويّة. على عربات تجرّها حمير، وقطعان إبل، وتراكتورات زراعيّة، يمرّ موكب الأطفال الذين يرتدون زيّاً مدرسيّاً موحّداً أمام نصب يمثّل المنصة الرسميّة. ومع أن المشاهد يعلم ما سيحصل لاحقاً، إلا أنه يتابع باهتمام مشهد الأطفال الملثمين يقفزون من شاحنة مع رشاشاتهم التي يصوّبونها نحو المنصة. تبدأ الفوضى نفسها لاحقاً، الأطفال يركضون، الكاميرا تهتزّ بعنف، وينتهي الفيلم بالتابوت محمولاً على تراكتور زراعيّ، يشيّعه الأطفال مع النساء اللواتي يظهرن هنا فقط، ليوضع تحت المنصّة.
يبرّر شوقي ثيمة الأطفال في الفيديو كمجاز «للمجتمع الجديد المهجّن، يمثلون حياد الهويّة والجنس». تعكس صورة الأطفال في الشريط عوامل المجتمع المتغيّرة: خالد الإسلامبولي (قاتل السادات)، كرمز دينيّ، الدين في مواجهة السياسة، الدين في مواجهة الدين، والسياسة في مواجهة السياسة. كل ذلك في أجواء مهجّنة ثقافيّاً، تتكوّن عناصرها من الأطفال البدو الرحّل أو المزارعين: ثقافة ضائعة وسط العالم المتغيّر ومهمّشة خارج هذا المشهد الكبير وغير المفهوم.
ومن هذه الأفكار، يحمّل شوقي أعماله في الفيديو آرت مفاهيم يصعب التعبير عنها مباشرة، إنّه ينتمي إلى «الفن المفهوميّ» بامتياز. يعتمد على الأفكار أكثر منه على المدارس الفنيّة التي تقدّم فناً مجرّداً، إذ تخلو سلسلة «تيليماتش» ـــــ تضم إلى جانب «تيليماتش السادات»، «تيليماتش الحملات الصليبيّة» ـــــ من أي شغل مفتعل على التقنية الفنيّة. شوقي يعتمد أسلوب Long Shot اللقطة الطويلة الكلاسيكيّة سينمائيّاً. يقسم «تيليماتش السادات» إلى 3 مشاهد فقط: مشهد الموكب، والموكب أمام المنصة، والجنازة. بينما الكاميرا مستقرّة باستثناء مشهد الاغتيال.
الأمر نفسه ينطبق على عمل فيديو يعرض لأول مرة بعنوان «تيليماتش الحملات الصليبيّة» صُوّر في مدينة لامو الكينيّة التي هاجمها البرتغاليون مطلع القرن الـ16 ضمن الحملات الصليبيّة. هنا، يعاد تمثيل الواقع بشكل كاريكاتوريّ ومعكوس للوقائع التاريخيّة، ليمثّل الأطفال الكينيّون الجيش الصليبيّ على

أعمال تنتمي إلى «الفن المفهوميّ» بامتياز

الحمير. وتتجلّى السخرية في مظهر الأطفال ببشرتهم الداكنة على الشاطئ وهم يتجمعون بدشاديشهم البيضاء أمام القلعة التي تعلوها أعلام بصلبان حمر. كل هذا التناقض يشوّش على المشاهد ويورّطه في عمليّة فنيّة ينظر بها إلى الصورة معكوسة.
فنيّاً، يستخدم شوقي تقنية الرسوم المتحرّكة في مشهد البابا «كورنيليوس» وهو يدعو إلى محاربة المسلمين وتحرير «أرض الميعاد». خلال إقامته الفنيّة في «دارة الفنون»، حاول شوقي دخول عالم آخر: اللاجئين الفلسطينيين في المخيّمات الأردنيّة. هكذا أنجز عمل الفيديو «قناة لافا 2» مع لاجئ وزوجته في مخيّم «سوف» (شمال عمّان). هنا، وعلى غير العادة، يستخدم تقنية Retroscope التي تضفي وهجاً على أصغر تفاصيل الصورة، حتى «تصبح التفاصيل التي لا تثير الانتباه، جوهرية وذات قيمة، وتمثل المعاناة بكل تجلّياتها».
لا شيء جديداً في الفيديو. يروي محمد الدوخ وفاطمة سالم محمد خروجهما من فلسطين. حتى يلتقط شوقي اللحظة الأذكى في الفيلم، عندما يحكي الدوخ قصة مقتل أشقائه بصوت غير مفهوم تماماً، مختلطاً مع صوت فاطمة التي تدعو على الإسرائيليين... أليس هذا الصوت الفلسطينيّ حقاً؟


حتى 30 كانون الأول (ديسمبر) ـــــ دارة الفنون (عمّان) ـــــ للاستعلام: 464325100 +9626